كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

لأنّ لجاجهم أي عنادهم وضمير بها للإعادة والقصد استقامة الطريق فلذا
قيل إنّ قصد السبيل تجريد. قوله: (بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام الخ) لما كان قوله قل الله يهدي دألاً على اختصاص الهداية به كما مرّ مع وجودها في بعض شركائهم كعيسى عليه الصلاة والسلام، فسرها بما يختص به تعالى فإنّ ما ذكر من خواص الألوهية اللازم من نفيها نفيها فتأمل. قوله: (وهدى كما يعدّى بإلى الخ) يعني أنّ هدى يتعدّى إلى اثنين ثانيهما بواسطة، وهي إلى أو اللام، وأمّا تعديه لهما بنفسه فقيل إنه لغة كاستعماله قاصراً بمعنى أهتدي فيكون فيه أربع لغات، وقيل إنه على الحذف والإيصال على الصحيح ومفعوله الأوّلط محذوف هنا في المواضع الثلاثة، والتقدير هل من شركائكم من يهدي غيره قل الله يهدي من يشاء أفمن يهدي غير.، وقد تعدّى للثاني بالحرفين هنا لما سيأتي، وقول الزمخشري إنّ هدى الأوّل قاصر بمعنى اهتدى لا يناسب مقابلته بقوله يهدي للحق مع أنّ المبرد قال هدى بمعنى اهتدى لا يعرف وان لم يسلموه له. قوله: (للدلالة على أنّ المنتهى غاية الهداية) يعني أنه جمع بين صلتيه تفنناً واشارة إلى معنى الانتهاء فإنه ينتهي إليه، وباللام إلى أنه علة غائية له، وأنّ ما هداه إليه ليس على سبيل الاتفاق بل على قصده من الفعل، وجعله ثمرة له، وقيل اللام للاختصاص وقوله وأنها أي الهداية وما وقع في بعض النسخ، وإنما بأداة الحصر من تحريف النساخ، وقوله ولذلك عدى بها أي باللام في قوله قل الله يهدي للحق، وأمّا قوله أفمن يهدي إلى الحق فالمقصود به التعميم وان كان في الواقع هو الله. قوله: (أم الذي لا يهتدي) بني أوّل كلامه على قراءة يهدي بوزن يرمي، وهي قراءة حمزة والكسائيّ وسيذكر بقية القرا آت كما ستراه وذكر لها معنيين أحدهما أن يكون هدى لازما بمعنى اهتدى كما قاله الفراء، وقد تقدم قول المبرد أنه لا يعرف لكنهم قالوا الصحيح ما قاله الفراء وعليه اعتمد المصنف رحمه الله وكفى به سنداً، والمعنى أم من يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي بنفسه إلا أن يهتدي اهتداء حصل له من هداية غيره، وهو الله بخلقه الهداية، وهذا هو المعنى الأوّل وحاصله نفي تسوية من يهدي غيره بمن لا يهتدي في نفسه إلا إذا طلب الهداية وحصلها من غيره فيهدي لازم بمعنى يهتدي والمعنى الثاني أن يكون متعذياً فيهما، والمعنى أم من لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله فضمير يهديه إن رجع لمن فالمعنى لا يهدي ذلك الهادي غيره إلا إن هدى الله الهادي لهدايته أو في نفسه، وان رجع لغير فالمعنى لا يهدي إلا إذا قدر وأراد الله هداية ذلك الغير. قوله: (وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح) الإشارة إمّا
إلى الانتفاء في الوجهين، وهو الظاهر لأنّ الاهتداء، وهداية الغير مختص بذوي العلم أو إلى الثاني لأن هداية الغير لا تتصوّر في الأوثان أصلاً بخلاف الاهتداء من الغير، وفيه نظر لأنّ الاهتداء قبول الهداية، ولا يتصوّر في الأوثان فإن كان على زعمهم، وادّعائهم فهو جار فيهما فتامّل ثم إنّ المعرب أفاد هنا أنّ الآية واردة على الأفصح، وهو الفصل بين أم وما عطف عليه بالخبر فإن قولك أزيد قائم أم عمرو وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} [سورة الفرقان، الآية: 15] أفصح من قولك أزيد أم عمرو قائم كقوله تعالى: {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. قوله:) بفتح الهاء وتشديد الدال) مع فتح الياء أيضا وأصلها يهتدي فنقلت فتحة التاء إلى الهاء، ثم قلبت دالاً لقرب مخرجهما وأدغمت فيها وقرأها أبو عمرو، وقالون عن نافع كذلك لكنه اختلس فتحة الهاء ولم يكملها تنبيهاً على أنّ الحركة فيها عارضة ليست أصلية. قوله: (ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد) أي بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال لأنه لم ينقل الحركة فالتقى ساكنان فكسر أوّلهما للتخلص من التقاء الساكنين. قوله: (وروى أبو بكر (أي شعبة يهدي باتباع الياء الهاء أي بكسرهما مع تشديد الدال، وكان سيبويه رحمه الله يرى جواز كسر حروف المضارعة لغة إلا الياء فلا يجوّز ذلك فيها لثقل الكسرة عليها، وهذه القراءة حجة عليه. قوله: (وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرّد (عن نقل الحركة إلى ما قبلها أو تحريكها بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين وهذه رواية عنه، وروي عنه أيضاً اختلاس الكسرة، والقراءة الأولى

الصفحة 26