كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

ثان بيان للأوّل أي صادرأ من غير الله كما زعموا أنه افتراه، وهذا الإعراب ذهب إليه بعض المعربين ولم يرتضه في الدرّ المصون لكن بلاغة المعنى تقتضيه، والخلاف مبني على أنّ لام الجحود تعاقب أن المصدرية فإذا أتى باللام حذفت أن وإذا أتى بأن حذفت اللام، وقال أبو حيان أيضا الصحيح خلافه فما قيل في رذه إنه ليس على حذف اللام لتأكيد النفي بل أن يفتري في معنى مصدر بمعنى المفعول كما أشار إليه بقوله، وكان محالاً أن يكون مثله في علوّ أمره، واعجازه مفتري لكن ما ذكر من قوله ما صح، وما استقام وكان محالاً ربما يشعر بأنه على حذف اللام، إذ مجرّد توسيط كان لا يفيد ذلك، والتعبير بالمصدر لا تعلق له بتأكيد لا ربما يشعر بأنه على حذف اللام، إذ مجرّد توسيط كان لا يفيد ذلك، والتعبير بالمصدر لا تعلق له بتأكيد معنى النفي انتهى غفلة عن مراده مع أنه رجع إلى ما قاله آخرأ فلا وجه له، ثم إن نفي كان قد يستعمل لنفي الصحة، وبمعنى لا ينبغي، وأصله ما وجد، وهي كان التامّة فيجوز أن يكون المعنى ما كان لهذا القرآن افتراء أي ما صح أن ينسب إليه، وما أشار إليه أوّلاً ذهب إليه ابن هشام رحمه الله في أواخر المغني، وقال شارحه أنه لا حاجة إليه لجواز أن يكون كان تافة، وأن يفتري بدل اشتمال من القرآن، وقيل عليه أنه لا يحسن قطعا لأن قولك، وما وجد القرآن يوهم من أوّل الأمر نفي وجوده، ولا بد من الملابسة بين المبدل، والمبدل منه في بدل الاشتمال فيلزم أن يبتني الكلام على الملابسة بين القرآن العظيم، والافتراء وفي التزام كل من الأمرين ترك أدب لا يلتزمه المنصف فالوجه ما ذكره ابن هشام وليس بسديد ابتداء لأنه ليس معنى الملابسة أن يعرف بالاتصاف به كما توهم وما ذكره من الإيهام لا عبرة به مع الدافع القوي له وهو قوله بعده ولكن تصديق الخ وما ارتضاه من كلام ابن هشام ليس كما زعم لا لما ذكره الشارح بل لما أشرنا إليه فتدبر. قوله: (مطابقا لما تقدّمه من الكتب الإلهية الخ (أي معنى تصديقه لها مطابقته إياها وهي مسلمة الصدق عند أهل الكتاب فيكون هذا كذلك هذا مراد المصنف رحمه الله، وأورد عليه أن اللازم منه صدق ما طابقه منها لا كونه كلام الله وغير
مفتري، ولا يلزم صدقه عند غير أهل الكتاب أيضا واعتبار إعجازه إنما يدلّ على صدق ما وافقه منها دون ما عداه فلا بد من ضم مقدمة أخرى، وهي أنه ظهر عن يد أمّيّ لم يمارس الكتب ولا أهلها، ولم يسافر إلى غير وطنه حتى يتوهم تعلمه من غيره أو يحمل تصديقه لها على إخباره بنزولها من عند الله كانا أنزلنا التوراة فإنه يدلّ بعد إعجازه على أنها من عند الله ولا يحمل على مطابقته لها في المعنى لما مرّ ثم إنه تراءى من كلامه أنه جعل التصديق أوّلاً بمعنى المطابقة وثانياً بمعنى الدلالة على الصدق وأسلوب تحريره لا يخلو عن خلل، وقيل المراد بتصديقه إياها أنّ بعثته مصدّقة للإخبار بها في تلك الكتب إلى هنا ما قاله، ولا يخفى أنّ الصدق مطابقة الواقع والتصديق بيان أنه صدق، وهو إما مضاف لفاعله أو مفعوله والظاهر الأوّل لأنه المناسب لردّ دعوى افترائه بأنها بينت وأظهرت صدقه لا هو أظهر صدقها كما يلوج إليه قوله المشهود على صدقها وتصديقها له بأنّ ما فيه من أمر البعث، والعقائد الحقة مطابق لما فيها، وهي مسلمة عند أهل الكتاب وما عداهم إن اعترف فبها والا فلا عبرة به، ثم إنه ترقى عن هذا إلى أنه إذا تطابق مدلولهما، ولزم من صدق أحدهما صدق الآخر، ومن صدق بعضه صدق كله إذ لا قائل بالتفريق بينهما لزم أن يكون هو المصدق لا هي لأنه معجز فيكون مثبتا لنفسه، ولغيره، ولذا سمي القرآن نورا لأنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره فلا خفاء في كلامه ولا خفاء في اتساق نظامه لمن تدبر فإن جعل مضافا للمفعول يكون مبالغة في نفي الافتراء عنه لأنّ ما يثبت به صدق غيره فهو أولى بالصدق، وإنما كان مصدّقا لها لأنه دال على نزولها من عند الله كقوله إنا أنزلنا التوراة، ولاشتماله على قصص الأوّلين الموافقة لما في التوراة، والإنجيل، وهو معجز دونها فهو الصالح لأن يكون حجة وبرهانا لغيره لا بالعكس، وقوله عيار عليها أي شاهد مبين لأن العيار ما يقاس به غيره وشموّي وعيار الدراهم والدنانير ما فيها من الفضة، والذهب الخالصين. قوله: (ونصبه بأنه خبر لكان مقدر) في إعرابه على قراءة النصب وجوه أمّا العطف على خبر كان أو خبر لكان مقدرة أو مفعول لأجله لفعل مقدر أي أنزل لتصديقها وجعل العلة ذلك هنا، وإن أنزل لأمور أخر، لأنه المناسب لمقام رد

الصفحة 28