كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

اعتقادهم الفاسد. قوله: (ولم يقفوا بعد على تأويله الخ) لما هذه نافية جازمة تختمى بالمضارع كلم إلا أنها تفارقها من خمسة وجوه استمرار منفيها إلى الحال كقوله:
فإن كنت مأكولاً فكن خيرآكل والا فأدركني ولما أمزق
ومنفيّ لم يحتمل الاستمرار وعدمه ولا يقترن بأداة شرط ومنفيها يكون قريبا من الحال ومتوقع الثبوت ويجوز حذفه كثيراً على ما فصل في كتب العربية، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله بعد أي بعد ما مضى والى الآن فلم يفسرها بلم وحدها بل من ما ضمّ إليها مما يثير إلى مجناها فمن قال وضع لم موضع لما مع ما عرف من الفرق بينهما غفل أو تغافل، وقوله ولم تبلغ أذهانهم معانيه أشار به إلى أنّ للتأويل معنيين أحدهما معاني الكلام الوضعية، والعقلية، وبيان ذلك يسمى تأويلا، وهو نوع من التفسير، والثاني وقوع مدلوله، وهو عاقبته وما يؤول إليه، وذكر بعضهم أن هذا هو حقيقة معناه اللغوي فإن كان تأويله معناه الأوّل فإتيانه معرفته، والوقوف عليه مجازاً باستعماله في لازم معناه، وان كان تأويله وقوع مدلوله الذي أخبر
بغيبه فإتيانه مجاز عن تبيينه وانكشافه،! وقوله والمعنى أي معنى لما يأتهم تأويله على الوجهين واعجاز المعنى إخباره عن المغيبات فإنّ البشر لا يقدر عليه، وهلى ابيان لأن إعجازه لهم بكلا اللامرين.، قوله: (ومعنى التوقع الخ) التوقع الانتظار، وأصل معنا. طلب وقوع الفعل مع تكلف، واضطراب، وقد تقدم أنّ لما تدل على أن نفيها متوقع منتظر، وهو أحد الفروق بينهاص، ويين لم وقد ذكر له في الكشاف ثلاثة وجوه أحدها أن المراد بالتأويل بيان المعنى، وأنه متوقع منهم الوقوف عليه، وعلى الإعجاز يتكزر التحدي عليهم وامتحانهم به حتى يظهروا العجز ويقروا به، وهو معنى قول المصنف رحمه الله قد ظهر لهم بالآخرة الخ، والثاني أن الموصوفين بهذا كانوا شاكين فيه فلذا؟ أتى بلما لأنّ زوال شكهم متوقع، ولم يذكره المصنف رحمه الله تعالى، وصاحب الكشاف، وان ذكره أيضاً أشار إلى ضعفه، والثالث أنّ المراد بالتأويل ما يؤول إليه من وقوع ما فيه من المغيبات فإنه منتظر الوقوع لتيقننا بأنّ ما أخبر الله عنه سيقع وهو ما أشار إليه بقوله أو لما الخ، وقوله فرإزوا بالراء المهملة والزاي المعجمة بمعنى جرّبوا وامتحنوا وتضاءلت بالمد بمعنى صغرت وضعفت، وقوله: لما كرر بكسر اللام التعليلة أو بفتحها بمعنى حين ظرف ظهر وكذا لما شاهدوا، والإقلاع الكف يقال أقلع عنه إذا كف. قوله: (فلم يقلعوا عن التكذيب تمردا وعنادا (قليل عدم الإقلاع يستفاد من استمرار الذم لا من كلمة التوقع ففي كلامه تسامح، ومع ذلك ففيه أنّ النحاة صرّحوا بأنّ منفيّ لما مستمرّ النفي إلى الحال دون لم فإذا استمرّ نفيه إلي الآن لم يجز يأتي تاويله إلى حين الأخبار فلا يصح قوله، ومعنى التوقع الخ والظاهر أنّ الاية الأولى إنكار لتكذيبهم النظم، والثانية لتكذيبهم بما فيه من الأخبار قبل أن يحيطوا بعلمه، ويأتيهم تأويله إلى نزول الآية الكريمة انتهى. وقد سبق هذا القائل شرّاج الكشاف، وأشاروا إلى أنه مأخوذ من مجموع الكلام، والسياق مع ما فيه من التكلف قال النحرير والذي يلوح من. كلامه أنه تعالى نبه أوّلاً على تكذيبهم بعد بيان المرجع، والمآل والعلم بحقيقة الحال بقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسورة مِّثْلِهِ} فإنه يدل على أنهم لم يرجعوا عن تكذيبهم بل أصرّوا بغياً وحسداً وعناداً، ثم أضرب عن ذلك إلى الإخبار عنهم بما هو أشنع في نظر العقل من وجه وهو المسارعة إلى التكذيب قبل العلم واتيان التأويل إذ فيه اتصاف برذيلة الجهل وقلة الإنصاف، وعدم التثبت وان كان التكذيب بعد العلم أشنع من جهة اأنّ الجاهل ربما يعذر لكن العناد في نظر العرب ليس كاستقباج الجهل والتقليد لمن هو دونهم أو مثلهم بل ربما استحسنوه حتى قيل:
فعاند من تطيق له عنادا
ولو سلم فضمه إلى تكذيب العناد أشنع لا محالة ففي الجملة قد ثبت أنهم كذبوا قبل العلم جهلاً وتقليداً وبعده حسداً فاستمرّ تكذيبهم في الحالين بدليل عدم انقطاع الذمّ عنهم انتهى ولا يخفى حاله وهذا من مشكلات هذا الكتاب والكشاف، ولقد أطال شراحه بما قلت إفادته وملت زيادته فتدبره. قوله: (فيه وعيد لهم الخ) هو يفهم من قوله كذلك وعاقبة الظالمين، وقوله من يصدق به في نفسه يعني

الصفحة 30