كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

المقام وقد قيل النفي منسحب على المعطوف عليه فقط لا عليهما حتى يرد الإشكال، ولا محصل له سوى تعقيد كلماته. قوله: (بسلب حواسهم وعقولهم (أي إن سلبها والظلم على ظاهره وفسره الزمخشري بينقصهم شيئا فقيل ضمن معنى النقص فنصب مفعولين إن كان نقص كذلك كما في قوله: لا ينقصوكم شيئا وبه صرّج الحلبي وقيل إنه تفسير لا تضمين فإنه متعد بمن كقوله: لا يظلم منه شيئاً فالناس منصوب بنزع الخافض وشيئاً مفعول به وقد صرّج الراغب بكونه معنى للظلم، ومنهم من أعرب شيئا مفعولاً مطلقاً أي شيئا من الظلم، وعدل عما في الكشاف لابتنائه على مذهبه قيل، وهو جواب لسؤال نشأ من الآية السابقة وضمير بإفسادها وما بعده للحواس. قوله:) وفيه دليل على أنّ للعبد كسباً الخ) المجبرة هم أهل الجبر الذين يقولون إنّ العبد لا كسب له ووجه الدلالة أنه ذكر أنه يظلم نفسه بالتصرّف وصرف الحواس لما لا يليق وهو عين الكسب، وقوله ويجوز أن يكون وعيداً يعني بحمل الآية على أن الله لا يظلم الناس في تعذيبهم بل يعدل فلا شك أنه وعيد وشيئا على هذا مفعول مطلق فيكون ذلك في الآخرة وفي الوجه الأوّل يختص بأمور الدنيا. قوله: (لهول ما يرون) كذا في الكشاف قيل والوجه هو الأوّل لأن حال المؤمنين كحال الكافرين في أنهم لا يعرفون مقدار لبثهم في القبور بعد الموت إلى الحشر فوجب أن يحمل على أمر يختص بالكفار، وهو أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على لذاتها لم ينتفعوا بعمرهم، وكان وجود ذلك العمر كالعدم عندهم فلذلك استقلوه والمؤمنون لانتفاعهم بعمرهم لا يستقلونه، وأمّا قوله لهول ما يرون فهو تعليل مشترك لأنّ الكفار لما شاهدوا من أهوال الآخرة استقلوا مذة لبثهم في الدنيا أو في القبور لأن الإنسان إذا عظم حزنه نسي الأمور الماضية، وقيل إذا شاهدوا ذلك الهول هان عليهم غيره، ووذوا طول مكثهم في القبور أو في الدنيا لئلا يروا ذلك فيعذونها قصيرة فتأمّل. قوله: (والجملة التشبيهية في موقع الحال الخ (أي من مفعول نحشرهم، وكان مخفف كأن أو مركب من الكاف وأن والظاهر الأوّل، وأصله كأنهم أناس لم يلبثوا فيما مضى إلا ساعة، وعلى كل حال فالتشبيه ليس مراداً به ظاهره فإن
التشبيه كثيراً ما يذكر ويراد به معان أخر تترتب عليه كما صرّح به في شرح المفتاح فالمراد إما التأسف على عدم انتفاعهم بأعمارهم أو تمني أن يطول مكثهم قبل ذلك حتى لا لشاهدوا ما رأوه من الأهوال، ومن غفل عن هذا قال: إنّ الظاهر أنها للظن فإن تشبيههم بعدم لبثهم إلا ساعة كلام خال عن الفائدة وهو من آفة الفهم فتدبر. قوله: (أو صفة ليوم الخ) تبع فيه بعض المعربين وردّه أبو حيان بأنّ الجمل نكرات، ولا تنعت المعرفة بالنكرة، وأيضاً هو من صفة المحشورين لا من وصف اليوم فيحتاج إلى تقدير رابط، وتكلف قبله أي كأن لم يلبثوا قبله، ومثله لا يجوز حذفه وكذا إذا قدر صفة مصدر محذوف، وعنده أنّ الجمل التي تضاف إليها أسماء الزمان ليست بنكرات على الإطلاق لأنه إن قدر حلها إلى معرفة كان ما أضيف إليها معرفة وإن قدّر حلها إلى نكرة كان نكرة، وهاهنا يوم نحشرهم بمعنى يوم حشرنا والمراد به يوم القيامة، وهو يوم معين ولا يخفى أنه جوّز تنكيرها أيضا، والذين قالوا بتنكير. هنا لم يقولوا إنه دائماً نكرة حتى يرد عليهم ما ذكروه فيجوز أن يكون يوم بمعنى وقت، والمعنى وقت حشرهم يشبهون فيه من لم يلبث غير ساعة من نهار ويؤيده قوله وهذا أوّل ما نشروا فإنه يدل على أن اليوم يراد به ذلك الوقت ففي كلامه ما يدفع الاعتراض، وإن لم يتنبهوا له وصنعه من حذف العائد غير مسلم، ونهاية ما ذكره أنه وجه ضعيف، وهم لم يرجحوه. قوله: (يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا) أي لم يقع بينهم مفارقة بالموت إلا زمانا قليلاً، وقوله: وهذا أوّل ما نشروا أوّل منصوب على الظرفية لا أفعل تفضيل وهو بيان للواقع، وقيل إنه لدفع المنافاة بينه ويين قوله: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 101] وقوله: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [سورة المعارج، الآية: 10] بالحمل على زمانين وفيه نظر وقيل المثبت تعارف تقريع وتوبيخ والمنفي تعارف تواصل ومنفعة. قوله: (وهي حال أخرى مقدرة أو بيان الخ) ولا داعي لجعلها مقدّرة لأنّ الظاهر عدم! تأخر التعارف عن الحشر بزمان طويل حتى يحتاج إلى جعلها مقدرة، وتقرير البيان كما في الكشاف، وشرحه أنه لو طال العهد لم يبق التعارف لأنّ طول العهد منس

الصفحة 32