كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

ومفض إلى التناكر لكن التعارف باق فطول العهد منتف، وهو معنى كأن لم يلبثوا إلا ساعة أي في القبور فالمراد بالبيان الإثبات والاستدلال ولا ينافيه كونه مثبتا بعدم اللبث أيضاً وأمّا كونه لا يتأتى إلا إذا أريد قصر المدة حقيقة لا استقصارها لما يرى من الهول فقد دفع بأنّ التعارف بخلق الله لا دخل لقصر المدة وطولها فيه وكون يتعارفون بيانا من حيث دلالته على وجه الشبه لا أنه مبنيّ على استقصار مدّة لبثهم وفيه تأمّل وقوله أو متعلق الظرف أي عامل في الظرف وهو يوم فيعطف على ما سبق. قوله: (للشهادة على خسرانهم) أي
لإثباتها من الله فالجملة مستأنفة، وهي إنشائية للتعجب بقرينة المقام، والمراد بيان أنها مما يتعجب منه والا فالله لا يتعجب لتعاليه عنه فماله إلى التعجب من العباد، وقوله ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في يتعارفون فيه تسمح لأنّ الحال القول المقدر وجوّز فيه كونه حالاً من ضمير نحشرهم إن كان يتعارفون حالاً أيضأ لئلا يفصل بينها وبين صاحبها بأجنبيّ، وما منحوا ما أعطوا من العقل والحواس والمعاون جمع معونة، وهو ما يستعان به من الآلات واستكسبوا أي طلبوا الكسب أو بالغوا فيه وقوله نبصرنك إشارة إلى أن رأى هنا بصرية لا علمية. قوله: (كما أراه يوم بدر) تنظير أو تمثيل، وهو إشارة إلى أنّ هذا الشق من الترديد هو الواقع. قوله: (وهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف مثل فذاك) أي فذاك واقع أو فالأمر ذاك فيكون جملة جوابية وليس مفرداً حتى يعترض! عليه بأنه لا يقع جوابا ويتكلف له بأنّ اسم الإشارة يسد مسد الجملة، وقيل لا حاجة إلى التقدير فإنّ قوله فإلينا مرجعهم يصلح جواباً للشرط وما عطف عليه، والمعنى أنّ عذابهم في الآخرة مقرّر عذبوا في الدنيا أو لا، ودفع بأنّ الرجوع لا يترتب على إواءة ما يعدهم وما بيناه من المعنى لا يندفع بما ذكر، ولا حاجة إلى أنه اتفاقيّ من غير ملازمة بينهما كما قيل. قوله: (ذكر الشهادة وأراد نتيجتها الخ) يعني أنّ شهادة الله على الخلق بكونه رقيباً عليهم وحافظاً لما هم عليه أمر دائم في الدارين وثم تقتضي حدوثه فلذا جعلت مجازاً عن لازمها لأنّ اطلاعه تعالى على أفعالهم القبيحة مستلزم للجزاء والعقاب، وثم للترتيب والتراخي، وقيل إنه تراخ رتبيّ حينئذ أو ذكريّ، ولم يلتفت إليهما المصنف رحمه الله لقلة الربط فيهما وكماله فيما ذكر ولأنّ شهادة الله عليهما لا تتعلق بالشرط فتعطف على جزائه وعطفها على مجموع الشرطية خلاف الظاهر أو المراد به إظهار الشهادة يوم القيامة فثمّ على ظاهرها، وقيل المراد من أدائها واظهارها إنطاق الجوارح فإن قلت المجازاة متقدمة على إراءة العذاب أو معها، وقد فسر الرجوع بإراءة العذاب كما تقدم فكيف يعطف ما يراد به المجازاة على ما يراد به إراءة العذاب الذي هو نفس المجازاة بثم قلت قوله فنريكه ليس تفسيرا للرجوع بل بيان للمقصود منه المتفرّع عليه بقرينة ما ذكر هنا فلا حاجة إلى جعله تفسيراً حتى يتكلف لتوجيهه. فوله: (بالبينات فكذبوه الخ) يشير إلى أن في الكلام مقدراً به ينتظم الكلام لقوله
قضى بينهم، وقد يقدر أيضا فكذبته طائفة وآمنت به أخرى قضى بينهم بإنجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به واهلاك ما عداهم وما ذكره المصنف رحمه الله أخصر وقد قيل في تفسيره لهذه الآية ما يخالف كلامه في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سورة يون! ، الآية: 19] في هذه السورة وهو مما يدفع بأدنى تأمّل، وقوله فأنجى وأهلك إشارة إلى أنه إخبار عن حال ماضية. قوله: (وقيل معناه لكل أمّة يوم القيامة الخ) فعلى هذا الاستقبال على ظاهره ولا يحتاج إلى تقدير كما في الوجه الأوّل وقد رجح بأنّ قوله ويقولون متى هذا الوعد تقوية، وأمّا حديث التأكيد والتأسيس فما لا يلتفت إليه وقوله وقضى أي وشهدوا وقضى. قوله: (ويقولون متى هذا الوعد استبعاداً له واستهزاء به) في الكشاف أنه استعجال لما وعدوا من العذاب استبعاداً له والمصنف رحمه الله أسقط الاستعجال وقد قال النحرير رحمه الله أن معنى الاستفهام في متى الاستعجال بمعنى طلب العجل، وهو الذي يقال له الاستبطاء بمعنى عذ الأمر بطيئا، ثم القصد من هذا الاستعجال هو استبعاد الموعود وأنه مما لا يكون ووسط الاستبطاء جريا على قضية المناسبة كما لا يخفى إذ الاستفهام للاستبعاد ابتداء إنما يكون بأين وأنى ونحو ذلك دون متى ففي كلام المصنف رحمه الله على هذا نظر لكن ما قاله غير مسلم فإنه لا مانع من استعماله ابتداء

الصفحة 33