كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

في الاستبعاد إذ المقام يقتضيه والمجاز لا حجر فيه مع ظهور العلاقة هنا.
قوله: (فكيف أملك لكم الخ) قالوا إنه بيان لوجه ارتباط الجواب بالسؤال فإنّ الاستفهام للاستعجال والاستبعاد كما مرّ لأنّ من لا يملك ذلك لنفسه لا يملكه لغيره بالطريق الأولى وذكر النفع للتعميم إذ المعنى لا أملك لنفسي شيئا، وقيل: إنه استطرادفي لئلا يتوهم اختصاصه بالضرّ. قوله: (1 لا ما شاء الله) في الكشاف إنه استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله كائن فكيف أملك لكم الضرّ وجلب العذاب، وقيل عليه إنه لم عدل عن الاتصال وهو الأصل، ولا مانع منه هنا إذ يجوز أن يكون التقدير إلا ما شاء الله من النفع والضرّ فإني أملكه والعجب أنه قدر ما شاء الله من ذلك والإشارة إلى النفع والضرّ وهو بيان لما شاء الله فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه فكيف يكون منقطعا ورد بأنه وان كان من جنس المستثنى منه ولكن ليس المعنى على إخراجه من حكمه، ولهذا جعل الحكم أنه كائن دون أني أملكه ويؤيده أنه ورد في آيات
أخر غير مقيد لكن فيه أنّ الملك بمعنى الاستطاعة وهو مستطيع لما شاءه الله فيكون متصلا داخلا في الحكم أيضاً نعم إن أبقى الملك على ظاهره تعين الانقطاع ولذا جوّز المصنف رحمه الله الوجهين، وقدم الاتصال لأنه الأصل، وقد خبط بعضهم في شرح كلامه بما لا حاجة لنا بإيراده. قوله: (لا يتأخرون ولا يتقدّمون الخ (يعني أن الاستفعال بمعنى التفعل، وسبق في الأعراف أنه يجوز بقاؤه على أصله وأن المعنى لا يطلبون التقدم والتأخر، وقالوا إن لا يستقدمون استئناف أو معطوف على القيد والمقيد لا على قوله لا يستأخرون حتى يرد عليه أنه لا يتصوّر التقدم بعد مجيء المدة فلا فائدة في نفيه، وقد ردّ بأنّ الفائدة فيه المبالغة في انتفاء التأخير لأنه لما نظمه في سلكه أشعر بأنه بلغ في الاستحالة إلى مرتبة التقدم فهو مستحيل كالتقدّم للتقدير الإلهيّ، وان أمكن في نفسه وهو السرّ في إيراده بصيغة الاستفعال أي بلغ في الاستحالة إلى أنه لا يطلب إذ المحال لا يطلب، وقيل معنى إذا جاء إذا قارب المجيء نحو إذا جاء الشتاء فتأهب له (قلت (وأشار الزمخشريّ إلى جواب آخر وهو أن لا يتأخر ولا يتقدم كناية عن كونه له حذ معين وأجل مضروب لا يتعذاه بقطع النظر عن التقدم والتأخر كقول الحماسيّ: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدّم
قال المرزوقيّ: يقول حبسني الهوى في موضع يستقرّ فيه فالزمه ولا أفارقه وأنا معك
مقيم وطائع لا أعدل عنك ولا أميل إلى سواك، وقوله فسيحين بالحاء المهملة أي يجيء حينه وزمانه وفي ئسخة فسيجيء، وهما بمعنى وينجز وعدكم بالبناء للمجهول. قوله: (تعالى أرأيتم إن أتاكم عذابه (أرأيت يستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية وهو أصل وضعه، ثم استعملوه بمعنى أخبرني والرؤية فيه تجوز أن تكون بصرية وعلمية، وقد أشار في مواضع من الكشاف إلى كل منهما فالتقدير أأبصرت حاله العجيبة أو أعرفتها فاخبرني عنها ولذا لم يستعمل في غير الأمر العجيب، ولما كانت رؤبة الشيء سببا لمعرفته ومعرفته سبباً للأخبار عنه أطلق السبب القريب أو البعيد وأريد مسببه وهل هو بطريق التجوّز كما ذهب إليه كثيرا أو التضمين كما ذهب إليه أبو حيان رحمه الله، والكاف وما معها حرف خطاب وهل الجملة مستأنفة لا محل لها أو في محل نصب على أنها مفعول أرأيت معلق عنها أم لا فيه اختلاف لأهل العربية مفصل في محله. قوله:) وقت بيات واشتغال بالنوم (يعني لم يقل ليلا ونهاراً ليظهر التقابل لأن المراد الإشعار بالنوم، والغفلة وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدؤ ويتوقع فيه ويغتنم فرصة غفلته وليس في مفهوم الليل هذا المعنى، ولم يشتهر شهرة النهار بالاشتغال بالمصالح والمعاش حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار أو النهار كله محل الغفلة لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو غذاء أو زمان قيلولة كما في قوله بياتا أو هم قائلون بخلاف
الليل فإنّ محل الغفلة فيه ما قارب وسطه، وهو وقت البيات فلذا خص بالذكر دون النهار، والبيات بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم لا بمعنى البيتوتة. قوله: (أيّ شيء من العذاب يستعجلونه) ماذا جملتها أنها اسم استفهام مركب بمعنى أقي شيء

الصفحة 34