كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

أمر باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته، وقيل وما ينطق عن الهوى، وحث على الإجماع في قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين، وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد اجتهدوا، وقاسوا ووطؤوا طريق القياس، والاجتهاد فكانت السنة، والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب وفيه تأمل. قوله: (للجميع) بقرنية قوله وما أرسلناك إلا رحمة ولذا جعل قوله للمسلمين قيدا للأخير، ولو صرف للجميع لأنهم المنتفعون بذلك أو لأنّ الهداية الدلالة الموصلة والرحمة الرحمة التامة كان صحيحاً، وقوله وحرمان الخ دفع لسؤال مقدر وبيان لشمول الرحمة. قوله: (بالتوسط في الأمور اعتقاد الخ) فسر التعطيل بالتعطيل عن الأفعال كما هو مذهب الفلاسفة، وغيرهم من المعطلة، وقال أهل السنة القول بنفي الصفات عنه تعالى
تعطيل، والقول بإثبات المكان والأعضاء تشبيه والعدل إثبات صفات الكمال ونفي غيرها، وأيضاً نفي لصفات تعطيل، واثبات الصفات الحادثة تشبيه والعدل إثبات الصفات القديمة والظاهر أنّ المراد بالتعطيل نفي الصانع كما تقول الدهرية، والمراد بالتشريك إثبات الشريك، ولا حاجة لتفسيره بالتشبيه فإنه تكلف لا داعي له وما ذكره المصنف رحمه الله ملخص من تفسير الإمام ولم يرتض ما في الكشاف من تفسير العدل بالواجب لما فيه من إخراجه عن ظاهر مع أنه قيل إنّ فيه اعتزالاً وان نوزع فيه. قوله: (والقول بالكسب الخ) الجبر إسناد فعل العبد له تعالى من غير مدخل له فيه كما هو مذهب الجبرية والقدر إسناد الأفعال إلى العبد وقدره فهو بضم القاف جمع قدرة، ونفي خلق الله لفعله كما هو مذهب المعتزلة، وكذا القول بعدم المؤاخذة بالذنوب أصلا مع الإيمان وتخليد الفساق فالعدل في الحقيقة ما ذهب إليه أهل السنة رضي الله عنهم، وأن زعمت المعتزلة أنهم العدلية. قوله: (بين البطالة والترهب) قال الإمام المرزوقي في شرح الفصيح يقال رجل بطال إذ! اشتغل بما لا يعنيه، وتبطل إذا تعاطى ذلك ومصدره البطالة بالفتح وحكى الأحمر فيه الكسر انتهى وفي شرح المعلقات لابن النحاس أنّ الأفصح فتحه ويجوز كسره فالجزم بالكسر وأنّ وزنه وإن اختص بما فيه صناعة، ومعالجة كالحياكة لكنه مما حمل فيه النقيض على النقيفى قصور، والبطالة ترك لعمل لعدم فائدته إذ الشقي والسعيد متعين في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب المبالغة في التزهد بترك المباحات تشبيها بالرهبان لأنه لا رهبانية في الدين، وليس إخلاص الزهد منه وقوله وخلقا بضم الخاء والبخل والتبذير معروفان، وكان بين ذلك قواما وسيأتي تحقيقه في سورة الإسراء. قوله: (إحسان الطاعات الخ) الإحسان يتعدى بنفسه، وبإلى فيقال أحسنه، وأحسن إليه، وهو هنا يحتمل أن يكون من الثاني والمراد الإحسان إلى الناس فهو أمر بمكارم الأخلاق كما روي وأن يكون من الأوّل والمراد إحسان الأعمال واليه الإشارة في الحديث الصحيح (1) المذكور والمصنف رحمه الله اقتصر على الثاني لوروده في الحديث المذكور ولذا رجحه المصنف رحمه الله على غيره، والحديث صحيح رواه البخاري والإحسان فيه بمعنى اتقان الأعمال، والعبادة بالخشوع، وفراغ البال لمراقبة المعبود حتى كأنه يراه بعينه واليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله كأنك تراه ويستحضر أنه مطلع على أعماله، واليه أشار بقوله فإنه يراك وهاتان الحالتان تثمرإن معرفة الله وخشيته، وقال النوويّ رحمه الله معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك
وهذا الحديث من أصول الدين وجوامع الكلم وعد التنفل إحسانا لأنه زيادة في العمل، وجبراً لما في الواجبات من النقص الذي لا تخلو عنه الأعمال على ما حققه في الكشاف. قوله: (وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه) أتى بمعنى جاء وآتاه بمعنى أعطاه، وهو مما تغير معناه بعد النقل كما سيأتي تحقيقه في سورة مريم والتخصيص بعد التعميم لدخوله في العدل على تفسيره، وقيل في توجيهه بأنه يدخل في الإحسان التعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه، وأعظمها صلة الرحم فتأمل، وقوله ما يحتاجون إليه إشارة إلى مفعوله المقدّر، والمبالغة لجعله للاعتناء به كأنه جنس آخر. قوله: (عن الإفراط الخ) هذا مأخوذ من مقابلته للعدل بمعنى التوسط كما مر، وقوله كالزنا تمثيل لا تخصيص وأمّا توله فإنه فضميره عائد على الإفراط لا على الزنا كما قيل. قوله: (ما ينكر على متعاطيه الخ) في إثارة متعلق بينكر أي يحصل

الصفحة 362