كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

وقت إثارتها أو بسبب إثارتها أي تحريكها كالانتقام، وغيره مما لا يوافق الشرع، وقوله صارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله عنه بالظاء المعجمة صحابي معروف أي صار نزول هذه الآية سبباً لإخلاص إسلامه لأنه أسلم أوّلاً، ولم يطمئن قلبه للإسلام كما ورد تفصيله في الآثار، وكون الأظهر أن يقول كانت بدله أمر سهل، ولم يقل ما تنكره العقول كما في الكشاف للتعميم، ولدفع إيهام القبح العقلي الذي ذهب إليه المعتزلة. قوله: (والبغي الخ) أصل معنى البغي الطلب، ثم اختص بطلب التطاول بالظلم والعدوان، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله والاستعلاء الخ. وقوله فانها الشيطنة الضمير راجع للأمور المذكورة من الاستعلاء والاستيلاء والتجبر أو للبغي وأنث باعتبار الخبر، والشيطنة مصدر شيطن بمعنى فعل فعل الشياطين في الخيانة كتشيطن، والقوى الثلاث الشهوانية والغضبية، والوهمية وهي من القوى الباطنة التي سمتها الفلاسفة قوة حيوانية والأطباء قوّة نفسانية، وقسموها إلى مدركة، ومحركة فمن المدركة القوّة الوهمية، وهي التي تدرك المعاني الجزئية غير المحسوسة كالعداوة المخصوصة وضدها، وهي تقتضي ما ذكر لترتبه عليها، ومن المحركة الباعثة، وتسمى شهوانية إن كانت حاملة على جلب أمر محبوب وغضبية إن كانت حاملة على دفع مكروه على ما فصلى في الحكمة، واعلم أنه قابل في النظم الأمر بالنهي مع مقابلة ثلاثة لثلائة، وكما دخل إيتاء ذي القربى فيما قبله
دخل البغي في المنكر أيضاً ولما كان بنو أمية يسبون علياً كرم الله وجهه في خطبهم وآلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أسقط ذلك منها وأقام هذه الآية مقامه وهو من أعظم مآثره والذي خصها بذلك ما فيها من العدل والإحسان إلى ذوي القربى، ودفع البغي وقد سمى النبيّ صلى الله عليه وسلم من عادى عليا رضعي الله عنه وكرّم الله وجهه فئة باغية وقال: " اللهنم وال من والاه وعاد من عاداه " وكونها أجمع آية لاندراج ما ذكر فيها. قوله: (ولو لم يكن الخ) بيان لوجه مناسبة الآية لما قبلها وارتباطها بها ووجه التنبيه أنه إذا جمعت هذه الآية ما ذكر مع وجازتها أيقظت عيون البصائر وحركتها للنظر فيما عداها، والميز مصدر مازه بمعنى ميزه والخير والشر لف ونشر للأمر والنهي، وقوله تتعظون إشارة إلى أن التذكير بمعنى الوعظ هنا. قوله:) يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تفسير للعهد بالبيعة وان عمّ كل موثق لأنه روي في سبب النزول أنها نزلت فيمن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فهو قرينة على أنه أريد به موثق خاص وأورد عليه أنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فحكمها عام كما صرح به البغوي، وفيه نظر لأن ما قبله من قوله إنّ الذين كفروا الخ قرينة مخصصة له فتأمل. قوله: القوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} ) قيل إنه تعليل لإطلاق عهد الله على عهد رسوله صلى الله عليه وسلم وتصحيح له فالمعلل منوي مقدر، ولا تعليل لكون المراد لعهد البيعة له، ولا بيان لأنّ الآية واردة في تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان لعدم انتهاضه، ولأن السورة مكية نزلت في المستضعفين فهي البيعة الأولى لا هذه وفيه نظر. قوله: (وقيل كل أمر يجب الوقاء به) بنصب كل وكذا النذر والإيمان ويجوز رفعها بتقدير ضمير العهد أو البيعة، وقوله ولا يلائمه الخ وجه عدم الملاءمة بأنه قد يجب الوفاء بأمر من غير سبق عهد لعموم الخطاب فيمن أسند إليه في الموضعين، وأورد عليه أنّ مراد القائل كل أمر سبق الوعد به يجب الوفاء به وهذا مما لا مزية فيه لأنّ الوفاء يقتضي سبق ما ذكر وأما التوجيه بأنّ ما يجب الوفاء به أعمّ مما وقع العهد به في
الماضي والمستقبل، وقوله إذا عاهدتم مختص بالثاني فليس بشيء. قوله:) وقيل الآيمان بالله) بفتح الهمزة جمع يمين وهو إما يمين البيعة أو المطلق فقوله: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ} تكرير للتوكيد على هذا ثم الظاهر أنّ المراد بالإيمان في النظم المحلوف عليه كما في الحديث: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يميته " لأنه لو كان المراد به ذكر اسم الله كان عين التأكيد لا المؤكد فلم يكن محل ذكر العاطف كما تقزر في المعاني، وهذا إذا لم يرد به يمين مخصوصة كما مر وإذا حمل على مطلق الإيمان فهو عام للحديث السابق لا خاص كما ذهب إليه الإمام لأنّ الخطر لو لم يكن باقيا ما احتيج إلى الكفارة الساترة للذنب كذا قيل ورد بأنّ المراد به العقد لا المحلوف عليه لأنّ النقض إنما يلائم العقد، ولا ي! نافيه قوله

الصفحة 363