كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

بعد توكيدها كما توهم لأنّ المراد كون العقد مؤكداً بذكر الله لا بذكر غيره كما يفعله العامة فالمعنى إنّ ذلك النهي لما ذكر لا عن نقض الحلف بغير الله، ثم إن النهي عن نقضه عام مخصوص بالحديث السابق، ووجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الإيمان الانعقاد، ولو محظورة فلا ينافي لزوم موجبها، وقد يقال إنه للإقدام على الحلف بالله في غير محله فليتأمل.
قوله: (بقلب الواو همزة) هذا مذهب الزجاج وغيره من النحاة، وذهب غيرهم إلى أنهما
لغتان أصليتان كأرخت وورخت لأنّ الاستعمالين في الماذتين متساويان فلا يحسن القول بأنّ الواو بدل من الهمزة كما في الدر المصون. قوله: (شاهداً الخ (يعني أنّ الكفيل هنا ليس بمعناه المتبادر منه بل بمعنى الشاهد إما على التشبيه فهو استعارة أو باستعماله في لازم معناه فهو مجاز مرسل، والعبارة محتملة لهما، والظاهر أن جعلهم مجاز أيضاً لأنهم لما فعلوا ذلك، والله مطلع عليهم فكأنهم جعلوه شاهداً، ولو أبقى الكفيل على ظاهره، وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله كما يقال من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغا جداً فتأمله، وقوله إنّ الله يعلم كالتفسير لما قبله، وهذه الجملة حالية إمّا من فاعل تنقضوا أو من فاعل المصدر وان كان محذوفا، وقوله إبرام بالباء الموحدة والراء المهملة أصل معناه تقوية فتل الخيط والحبل ونحوه ولذا تجوّز به عن الإلحاح فقوله وأحكام عطف تفسير، وهما مصدران
من المبنيّ للمجهول. قوله: (ما غزلتة مصدر بمعنى المفعول الم يكتف بأحدهما، وان كان قد يغني عن الآخر للتوضيح إذ ما تحتمل المصدرية والموصولية ولأن الثلاثيّ أعمّ من الأوّل فينطبق على الوجه الثاني كما سننقله عن الكشاف، وقيل إنه لم يكتف بقوله مصدر بمعنى المفعول لأنّ مغزولها قد يكون بغزل الأجانب والإضافة إليها للملك، ونقض ما غزلته بنفسها أدل على شدة حمقها لكنه لو اكتفى بقوله ما غزلته كان أخصر وفيه ما فيه، وقوله متعلق بنقضت أي على أنه ظرف لقوله نقضت لا حال، ومن زائدة مطردة في مثله. قوله: (طاقات نكث فتلها الخ) جمع طاقة وهي ما فتل وعطف من الخيوط والحبال ونحوها كطاقات الأبنية والنكث والنقض بمعنى، وهو حل ما فتل أو بني في الأصل نقل مجازاً إلى إبطال العهود والإيمان ففي نقض الإيمان استعارة بها يتمّ الارتباط بين المشبه والمشبه به وقد مر تفصيلها في سورة البقرة، وقوله جمع نكث أي بكسر النون وسكون الكاف بمعنى منكوث كنقض بمعنى منقوض. قوله: (وانتصابه على الحال الخ) فهي حال مؤكدة وفي إعرابه وجوه أحدها هذا، والثاني أنه منصوب على أنه مفعول لنقضت لتضمنه معنى صيرت أو لتقديره أو لجعله مجازاً عنه كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قيل، والأوّل أولى، ونقضت فيه مجاز أيضا بمعنى أرادت النقض على حذ قوله إذا قمتم إلى الصلاة لما فيه من الجمع بين القصد، والفعل ليدل على حماقتها واستحقاقها اللوم بذلك فإنّ نقضها لو كان من غير قصد لم تستحق ذلك ولأنّ التشبيه كلما كان أكثر تفصيلاً كان أحسن، وفي هذا التمثيل إشارة إلى أنّ ناقض يمينه خارج من الرجال الكمل داخل في زمرة النساء بل في أدناهن، وهي الخرقاء، وكأنّ المصنف رحمه الله تعالى عدل عنه لما فيه من التجوّز مرّتين طيا للمسافة لا اغتراراً بقوله جار الله فجعلته إنكاراً كما توهم، وجوّز الزجاج فيه وجهاً ثالثاً، وهو النصب على المصدرية لأنّ نقضت بمعنى نكثت فهو ملاق لعامله في المعنى، وقوله والمراد به تشبيه الناقض بالضاد المعجمة أي من غير تعيين كما في الوجه الآخر إذ التشبيه لا يقتضي وجود المشبه به بل يكفي فرضه. قوله: (وقيل هي ريطة) وفي نسخة بريطة بباء جر داخلة على ريطة أي المراد تشبيه الناقض بريطة بفتح الراء المهملة وسكون المثناة التحتية، وفتح الطاء المهملة، وهو علم لامرأة معروفة منقول من الريطة بمعنى الأزار، والملاءة ذات اللفقين فالمشبه به معين كما تشهد له الموصولية قال جار الله إنها اتخذت مغزلاً قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عطيمة على قدرها فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن، والخرقاء بخاء معجمة، وراء مهملة وقاف، ومد الحمقاء أو ذات الجنون، والوسوسة. قوله:) حال من الضمير في ولا تكونوا (إن كان الدخل
بمعنى الدغل، وهو الفساد ففائدة الحال الإشارة إلى وجه الشبه و

الصفحة 364