كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

فيه، وليس بشيء لأنّ طلب الاستعاذة من الوسوسة في القراءة المؤدّية إلى خلل ما بحسب الظاهر يكون قبل الشروع فيها ومثله يكفي قرينة قيل، والذي غره أنه لا فرق بين هذه الآية وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنّ ثمة دليلا قائما على المجاز وترك الظاهر بخلاف ما نحن فيه، وقد أشار إلى رذه في الكشف حيث قال أجمع القراء وجمهور الفقهاء على أنّ الاستعاذة حال الشروع في القراءة، ودل الحديث على أنّ التفديم هو السنة فتبقى سببية القراءة لها، والقاء في فاستعذ تدل عليها فتقدر الإرادة ليصح وأيضاً الفراغ عن العمل لا يناسب الاستعاذة من العدوّ، وإنما يناسبها الشروع فيها فتقدر الإرادة ليكونا أي القراءة، والاستعاذة مسببين عن سبب واحد، ولا يكون بينهما مجرد الصحبة الاتفاقية التي تنافيها الفاء وأشار إليه في المفتاح بقوله بقرينة الفاء والسنة المستفيضة فتأمل. قوله: (فاسأل الله) بيان لأنّ السين للطلب، وقوله من وساوسه بيان للمراد أو لتقدير المضاف بقرينة المقام، وقوله والجمهور على أنه للاستحباب لما روي من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها وقال عطاء إنها واجبة لظاهر الأمر. قوله: (وفيه دليل الخ) المراد بالحكم ما دلّ عليه الأمر، وقد اختلف فيه هل يقتضي التكرار أولاً على ما فصل في الأصول فقيل الأمر المعلق على شرط أو صفة للتكرار لا المطلق وهو مذهب بعض الحنفية والشافعية واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى هنا في الشرط لأنه سبب أو علة، والشيء يتكرر سببه وعلته كما في قوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنه يدل على وجوب الغسل لكل جنابة، وهذا معنى قوله قياسا أي قياساً لما وقع في الصلاة على ما وقع خارجها وقيل معناه قياسا على ما وقع ابتداء للاشتراك في العلة. قوله: (يستعيذ في كل ركعة) وهذا مذهب ابن سيرين والنخعيّ وأحد قولي الشافعي، وفي قول آخر له كأبي حنيفة يتعوّذ في الركعة الأولى لأنّ قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمة الله تعالى لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة، ويراه في غيرها كقيام رمضان. قوله: (بأنّ الاستعا " عند القراءة من هذا القبيل (أي قبيل العمل الصالح المطلوب من الذكور والإناث المورث لطيب حياة الدارين وإنما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على فضل هذا العمل، وأن غيره تابع له فيه بحسب الذات والزمان، وتأكيداً للحث عليه لأنه إذا أمر بالاستعاذة المعصوم فغيره أولى. قوله:) هكذا أقرأنيه جبريل عليه
الصلاة والسلام عن القلم عن اللوح المحفوظ (هكذا رواه الثعلبيئ، والواحدي ولم يتعقبه العراقي في تخريجه وفي الكشف كذا وجدته في كتب القرا آت، ولا يريد بالقلم القلم الأعلى فإنه مقدم الرتبة على اللوج بالنص وإنما أراد القلم الذي نسخ به من اللوج، ونزل به جبريل عليه الصلاة والسلام دفعة إلى السماء الدنيا فافهم ففيه نظر فإنه لا داعي للعدول عن الظاهر إذ المراد أنه مشروع كذلك في الأزل فتأمل وكأنه وقع في نسخة عن اللوج عن القلم كما في بعض التفاسير، والذي في نسخ القاضي، والكشاف خلافه مع أن التأخير الذكري لا يقتضي التأخر الرتبي لا سيما بدون أداة ترتيب وفي كتب الكلام القلم العقل الأوّل، واللوج العقل الثاني. قوله:) تسلط وولاية) إشارة إلى أنّ السلطان هنا مصدر بمعنى التسلط، وهو الاستيلاء، والتمكن من القهر فعطف الولاية عليه للتفسير ثم أطلق على الحجة وعلى صاحب ذلك وقوله على أولياء الله أخذه من قوله الذين آمنوا لقوله تعالى: و {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة البقرة، الآية: 257] أو من التوكل لأن من فوض أمره لله وولاه جميع أموره كان وليا له ويدل عليه مقابلته بقوله يتولونه، وقوله المؤمنين به والمتوكلين عليه إشارة إلى أنّ الأصل في الصفة الإفراد، وقوله فإنهم الخ دفع لسؤال، وهو أنه إذا لم يكن له عليهم تسلط لم أمروا بالاستعاذة منه بأنه للاحتياط د! ان كان صدوره نادراً اعتناء بحفظهم، ولذأ جعل الخطاب له صلى الله عليه وسلم كما مرّ فالمنفي ما عظم منه، والاستعاذة عن محقراته، وقيل نفي التسلط بعد الاستعاذة، وفي الكشف إن هذه الآية جارية مجرى البيان للاستعاذة المأمور بها، وأنه لا يكفي فيها مجرد القول الفارغ عن اللج إلى الله تعالى وأن اللج إليه إنما هو بالإيمان أوّلاً والتوكل ثانيا، وعلى الوجهين ظهر وجه ترك العطف. قوله: (يحبونه ويطيعونه (إشارة إلى أن تولاه بمعنى جعله والياً عليه، ومن جعل غيره واليا عليه فقد أحبه وأطاعه كقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 23] الخ، وقوله بالله الخ إشارة إلى أن الضمير راجع لربهم، والباء للتعدية

الصفحة 367