كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

في اللغة إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته كما قال الراغب، ثم تجوّز به عن البلاء، وتعذيب الإنسان، وقوله بالولاية والنصر تفسير لمعنى اللام الداخلة على النفع، ومتعلق بها أو بما تدل عليه وفيه إشارة إلى أنّ قوله للذين هاجروا خبر أنّ أي هو كائن لهم لا عليهم، وقيل إنه متعلق بالخبر على نية التقديم والتأخير والخبر لأنّ الأولى والثانية مكرّرة للتأكيد أو للثانية، وخبر الأولى مقدر، وقوله وثم لتباعد حال هؤلاء يعني أنها للتفاوت والتباعد في الرتبة مجازا لا للتراخي الحقيقي إذ أمرهم في الآخرة مؤخر فمقتضى الظاهر العكس، وقوله من بعدما عذبوا مرّ بيانه، وفسر فتنوا على هذه بوقعوا في الفتنة فإنه ورد لازماً ومتعديا. قوله: (على الجهاد الخ) يعني متعلقه إمّا خاص بقرينة أو عام، وقوله من بعد الهجرة والجهاد، والصبر يعني أنّ الضمير راجع لما قبله وأنث باعتبار المذكورات، ولو زاد الفتن كان أظهر وتركه لدخوله في الصبر، وقوله منصوب برحيم أي على الظرفية، ولا يضرّ تقييد الرحمة بذلك اليوم لأن الرحمة في غيره تثبت بالطريق الأولى، وهذا أحسن لارتباط النظم به ومقابلته لقوله: {فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} . قوله: (تجادل عن ذاتها) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أن الضمير للنفس فيكون تقديره نفس النفس، وفيه إضافة الشيء لنفسه قال في الكشف النفس الأولى هي الدّات، والجملة أي الشخص بإجزائه كما في قولك نفس كريمة، والثانية ما يؤكد به ويدلّ على حقيقة الشيء وهويته والفرق بينهما أنّ الإجزاء ملاحظة في الأوّل دون الثاني، والأصل هو الثاني لكن لعدم المغايرة بين الذات وصاحبها استعمل بمعنى الصاحب ثم أضيف الذات إليه فوزان كل نفس وزان كل أحد، وفي الفرائد المغايرة شرط بين المضاف، والمضاف إليه لامتناع النسبة بين منتسبين فلذا قالوا يمتنع إضافة الشيء لنفسه إلا أنّ المغايرة قبل الإضافة كافية، وهي محققة هنا لأنه لا يلزم من مطلق النفس نفسك، ويلزم من نفسك مطلق النفس فلذا صحت الإضافة، وان اتحدا بعدها ولذا جاز عين الشيء وكله ونفسه بخلاف أسد الليث وحيس المنع فتأمل. قوله: (وتسعى في خلاصها) بيان للمراد من المجادلة، والاعتذار بنحو هؤلاء أضلونا وما كنا مشركين، وقوله فتقول نفسي نفسي معمول لمقدر كنج، وهو بيان لعدم الاهتمام بشأن غيرها إذ لم يقلى ولدي وأبي وأمي ونحوه لا للمجادلة وهو ظاهر، وهذه العبارة وردت بعينها في الحديث (1) وقوله جزاء ما عملت يعني أنه تجوّز يجعل الجزاء كأنه عين العمل
أو فيه مضاف مقدر. قوله: (لا ينقصون أجرهم) إن أريد بجزاء ما عملت العقاب، وبهذا الثواب فلا تكرار فيه، ت وإن كان الأوّل أعم يكون هذا تكراراً للتأكيد، ولذا قيل الأولى تفسيره بأنهم لا يظلمون بزيادة العقاب أو بالعقاب بغير ذنب إلا أن يقال هذا أولى لأنه لما ذكر مجازاة ذنبها توهم إحباط عملها فدفع بهذا أي توفي جزاء عملها كله من خير وشرّ. قوله: (جعلها مثلاَ) أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا، والمراد أهلها مجازاً أو بتقدير مضاف فضمن ضرب معنى جعل وقرية مفعول أوّل ومثلاً مفعول ثان، وقد مرّ تفصيله، وقوله لكل قوم أي هذا المثل ضرب لكل قوم كانوا بهذه الصفة من غير تعيين أو لقوم مخصوصين وهم أهل مكة كما أشار إليه بقوله أو لمكة أي لأهلها والقرية إمّا مقدّرة بهذه الصفة غير معينة إذ لا يلزم وجود المشبه به أو معينة من قرى الأوّلين، وقوله من نواحيها بيان لمكان. قوله: (جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاءا لأنّ المطرد جمع فعل على أفعل لا فعلة، ونعم بضم النون بمعنى النعمة أو اسم جمع للنعمة كما قاله الفاضل اليمني. قوله: (استعار الذوق الخ الما كان المتبادر أنّ الإذاقة واللباس هنا استعارتان إذ معناهما الحقيقي غير مرأد وفي إيقاع إحداهما على الأخرى خفاء ذهب الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر، وحاصله على ما قرره في الكشف أنّ الإذاقة استعيرت للإصابة وأوثرت للدلالة على شدة التأثير التي تفوت لو استعملت الإصابة وبين العلاقة بأنّ المدرك من أثر الضرر شبه بالمدرك من طعم المر البشع، ووجه الشبه بينهما الكراهة، والنفرة فهو من باب استعارة المحسوس للمعقول، وإنما قدم الزمخشريّ أنها جرت مجرى الحقيقة ليفرع عليه أنّ إيقاعها على اللباس تجريد فلا فرق بين إذاقها إياه، وأصابها به على ما حقق من أنّ التجريد إنما يحسن أو يصح بالحقيقة أو ما ألحق بها

الصفحة 373