كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

عنه يقول إنه جواد لأنّ الغمر من الغمرة، وهي في الأصل معظم الماء وكثرته فاستعيرت للشدة والعطاء الكثير بل لكل كثير فالمعنى أنه كثير العطاء، وقيل كثير الدين لكثرة عطائه فوضع الرداء موضع الدين الذي يغمر الذمّة لأنّ كلا منهما كذلك أما الرداء فيغمر اللابس، وأما الدين فيغمر الذمة ومنه قول حكيم العرب من أراد الغنى فليخفف الردا أي ثقل الدين، وإذا تبسم ضاحكاً قيل معناه شارعاً في الضحك، وقال الفاضل اليمني معناه إذا ضحك تبسم أي إن ضحكه كله تبسم، وهو من أخلاق الكرام، والمعنى أنه إذا تبسم في وجه راجيه وجبت لهم رقاب ماله صارت لهم بمنزلة الرهن إذا غلق عند مرتهنه بأن استحقه وصار له إذا عجز الراهن عن تخليصه، وكان هذا معروفاً في الجاهلية، وإن لم يتعاقدا عليه كما في بيع الوفاء ففيه استعارة تبعية، وقال السيرافيّ معناه أنه إذا ضحك وهب ماله والمال عام لكل متموّل ويختص بالإبل في إطلاق كلامهم لأنها أكثر أموالهم فرقاب الأموال الإبل نفسها كقوله من أعتق رقبة أي عبداً، والغلق هنا بالغين المعجمة ضد الفتح، والمعروف الإحسان هنا. قوله: (النمر الذي هو وصف المعروف والنوال) نظراً إلى المستعار له كذا في الكشاف واعترض عليه بأنّ أهل اللغة نصوا على أنه يوصف به الثوب أيضاً كما يوصف به المنوال وكلاهما مجاز، وقد صرّح به في الأساس فبين كلاميه تدافع، وأجيب بأنه شاع في النوال وإن كان مجازاً فلا ينافيه استعماله في اللباس مجازا أيضاً وهذا لا يحسم مادّة الاشكال كرله إذا وصف به الثوب وأضيف إليه لم يكن تجريداً قال الفاضل اليمني بعدما قرر كلام الزمخشريّ قلت فيه عدول عن الظاهر
لأنّ الغمر ليس صفة حقيقية للنوال، والمعروف بل هو وصف للبحر المستعار أولاً للمعروف يقال غمره الماء يغمر. غمرا أي علا.، والغمر الماء الكثير فهو هاهنا تجريد للاسنعارة بعد أن كان ترشيحا وهذا المثال المستشهد به يشبه ما- في الآية في أنّ التجريد ليس تجريداً محضا انتهى وهذا هو تحقيق المقام بما تندفع به الأوهام، ونظيره من بعثنا من مرقدنا فتدبر. قوله: (ينارّعني ردائي عبد عمرو الخ) أراد بالرداء سيفه لأنه يتوشح به كما يتوشح بالرداء كما في الأساس وفي الإيضاح أنه أريد به السيف لأنه يصون صاحبه صون الرداء، والأوّل أظهر وسأل بعض الملاحدة ابن الأعرابي فقال أللتقوى لباس فقال نعم للتقوى لباس ولاباس، وإذا رحم الله الناس فلا رحم هذا الراس هب أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا ألم يكن عربياً، والاعتجار لف العمامة من غير إدارة تحت الحنك يقول يجاذبني سيفي الشخص المس! مى بعبد عمرو ويريد أن يأخذ. مني فقلت له رويدك أي تمهل فلي النصف الأعلى منه وهو ما كان منه بيمينه فخذ أنت النصف الآخر منه فلفه على رأسك ومعناه أنه يضر به، ومثله قول الآخر:
نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها
فالاعتجار ترشيح لاستعارة الرداء، وهو معنى قوله نظرا إلى المستعار والشطر النصف، والبعض من الشيء وقوله بصنيعهم أي مصنوعهم إشارة إلى أنّ ما موصولة والعائد محذوف أي يصنعونه، ويجوز أن تكون مصدرية، والباء سببية والضميران عائدان على المضاف المقدر في قوله ضرب الله مثلا قرية إذ تقديره قصة أهل قرية بعدما عاد إلى لفظها، وقيل إنه عائد على القرية مرادا بها أهلها فهو كقوله: {أَوْهُمْ قَالُوا} بعد قوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} . قوله: (عاد إلى ذكرهم) بعدما ذكر مثلهم هذا مبنيّ على المختار في تفسير قوله ضرب الله مثلا قرية من أنّ القرية ليست مكة بل قرية مفروضة ضرب بها الصثل فإنها ذكرت تمثيلاً لهم بما يشبه حالهم، ثم انتقل من التمثيل لهم للتصريح بحالهم الداخلة في التمثيل فلا وجه لقول أبي حيان رحمه الله تعالى أنه يتعين أن يراد بالقرية مكة لقوله: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ} وإذا أريد بها مكة فهو ظاهر المناسبة، والارتباط بما قبله. قوله: (أي حال اتجاسهأ بالظلم) بيان لأنّ الجملة الحالية ققتفي قلبسهم! وقو! ععتى--أثعامل فيها، وهو لا لنافي الاستمرار الذي لحفيل! الاسميه بل تقتضيه فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر أن يقول حال استمرارهم على الظلم،
وقوله ما أصابهم من الجدب أي بمكة لأن السورة مكية أو وقعة بدر لتبادر القتل من العذاب، وهو لم يقع بمكة فيكون إخباراً بالغيب ولا ينافيه

الصفحة 375