كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

إليه المصنف رحمه الله تعالى، وليس بتكرار مع قوله لتفتروا على الله الكذب لأنّ هذا لإثبات الكذب مطلقاً، وذلك لإثبات الكذب على الله فهو إشارة إلى أنهم لتمرنهم على الكذب اجترؤوا على الكذب على الله فنسبوا ما حللوه وحرّموه إليه. قوله: (ووصف ألسنتهم الكذب مبالنة الخ) هذا على جعل الكذب مفعول تصف ففيه
مبالغة لجعله عين الكذب ترقي عنها إلى أن خيل أنّ ماهية الكذب كانت مجهولة حتى كشف كلامهم عن ماهية الكذب، وأوضحها كما أشار إليه الرازي فتصف بمعنى توضح فهو بمنزلة الحد، والتعريف الكاشف عن ماهية الكذب فالتعريف في الكذب للجنس كأنّ ألسنتهم إذا نطقت كشفت عن حقيقته وعليه قول المعرّي:
سرى برق المعرّة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا
ونحوه نهاره صائم إذا وصف اليوم بما يوصف به الشخص لكثرة وقوع ذلك الفعل فيه، وكذلك وجهها يصف الجمال لأنّ وجهها لما كان موصوفا بالجمال الفائق صار كأنه حقيقة الجمال ومنبعه الذي يعرف منه حتى كأنه يصفه ويعرفه كقوله:
أضحت يمينك من جودمصوّرة لابل يمينك منها صوّرالجود
فهو من الإسناد المجازي أو نقول إنّ وجهها يصف الجمال بلسان الحال فهو استعارة مكنية، وعليه اقتصر في الكشف كأنه يقول ما بي هو الجمال بعينه ومثله وارد في كلام العرب والعجم هذا زبدة ما في شروح الكشاف وما في الآية أبلغ من المثال المذكور لما سمعت. قوله: (وقرئ الكذب بالجر الخ) تبع فيه أبا البقاء رحمه الله تعالى لكنه تسمح في قوله من ما إذ المبدل منه هي مع مدخولها، وفيه ردّ على الزمخشريّ إذ جعله نعتا لما المصدرية مع صلتها لأنّ المصدر المسبوك من أن، وما المصدرية مع الفعل معرفة كالمضمر لا يجوز نعته، وكذا أخواتهما فلا يقال أعجبني أن تقوم السريع بمعنى قيامك السريع. قوله: (والكذب (معطوف على ما قبله أي وقرئ الكذب بضم الكاف، والذال المخففة جمع كذوب كصبور وصبر أو جمع كذاب بكسر الكاف، وتخفيف الذال مصدر كالقتال وصف به مبالغة، وجمع على فعل ككتاب وكتب، وقيل إنه جمع كاذب كشارف وشرف، وقوله وبالنصب هي قراءة مسلمة بن محارب كما نقله ابن عطية رحمه الله تعالى وخرجت على وجوه أحدها أنها منصوبة على الشتم والذم، وهي نعت للألسنة مقطوع، والثاني أن يكون بمعنى الكلم الكواذب يعني أنها مفعول بها والعامل فيها إمّا تصف أو القول أي لا تقولوا الكلم الكواذب، والثالث أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لتصف من معناه على أنه جمع كذاب المصدر ولبعده تركه المصنف رحمه الله تعالى وأعرب هذا حلال الخ. على ما مر ولا إشكال في إبداله لأنه كلم باعتبار مواده وكلامان ظاهراً. قوله: (تعليل لا يتضمن معنى النرض) يعني أنها لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية كما مر تحقيقه إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر،
وقال المعرب يجوز أن تكون للتعليل ولا يبعد قصدهم لذلك، وهو بدل من لما تصف لأنّ وصفهم الكذب هو افتراء على الله أو متضمن له كما مر قاله أبو حيان رحمه الله تعالى، وهو على تقدير جعل ما مصدرية إمّا إذا كانت بمعنى الذي فاللام ليست للتعليل فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنما هي متعلقة بلا تقولوا على حدها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام أي لا تسموه بهذا الاسم وقد مر لها توجيه آخر قريب من هذا قيل، ولا مانع من إرادة التعليل على الموصولية أيضا. قوله: (لما كان المفتري) اسم فاعل أي الكاذب وقوله نفى عنهم الفلاح أي الظفر، والفوز بمطلوب يعتد به، وأمّا ما قصدوه فأمر قليل منقطع مفض إلى الخسران، والعذاب المخلد فلا عبرة به كما سيصرج، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله وبينه الخ. قوله: (أي ما يفترون لأجله) يشير إلى أنّ قوله متاع خبر مبتدأ محذوف تقديره ما ذكر لا متاع مبتدأ، وقليل خبره لأنّ النكرة لا يخبر عنها بدون مسوغ، وتأويله بمتاعها ونحوه بعيد، وقوله منفعة الخ تفسير لقوله متاع. قوله: (أي في سورة الأنعام) قيل، وفي هذه الآية دليل

الصفحة 377