كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

على تقدم آية سورة الأنعام في النزول لا على لهقدم سورة الأنعام بتمامها كما ظن قلت هذا غفلة عما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام من أنها أنزلت جملة واحدة فالقائل بنى كلامه على مدعي المصنف رحمه الله تعالى، وقد تقدم منا كلام فيه. قوله: (متعلق بقصصنا أو بحرمنا) بتقدير مضاف تقديره على الأوّل من قبل نزول هذه الآية، وكذا على الثاني ويحتمل أن يقدر فيه من قبل تحريم ما حرّم على أمّتك وهو أولى، ويجوز فيه التنازع، وقوله عوقبوا به أي بالتحريم عليه أي على ما عوقبوا به فالضمير الأوّل للتحريم، والثاني للموصول، والفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم أنّ هذه الأمّة لم يحرم عليها إلا ما فيه مضرة لها وغيرهم قد يحرم عليهم ما لا ضرر فيه عقوبة لهم بالمنع كاليهود قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا} الاية. قوله: (بسببها) فالباء للسببية والمراد بالجهالة السبب الحامل لهم على العمل كالغيرة الجاهلية الحاملة على القتل وغير ذلك، وقوله أو ملتبسين فهي للملابسة وقوله لتعم الجهل بالله وعقابه متعلق بتقدير ملتبسين تعليل له يعني أنه فسره بما ذكر فشمل الجاهل بما ذكر إذا عمل سوءاً لغلبة شهوته فسببه غلبة الشهوة، ويصدق! عليه أنه ملتبس بالجهالة المذكورة وعدم التدبر
بالنصب معطوف على الجهل، ولغلبة الشهوة متعلق بملتبسين، وقيل بقوله عملوا السوء وغيره منصوب معطوف على الافتراء. قوله: (من بعد التوبة الم يذكر الإصلاج كما في بعض التفاسير لأنه مندرج في التوبة وتكميل لها وليس شيئا آخر ثم نظم هذه الآية واعرابها كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ} [سورة النحل، الآية: 110] فلذا ترك التعرّض له لقرب العهد، وقوله يثيب على الإنابة وهي التوبة أي تفضلاً منه فإنّ مقتضاها العفو لا الإثابة. قوله: (لكماله واستجماعه فضائل الخ) أي الأمّة أصل معناها الجماعة الكثيرة فأطلقت عليه لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد في واحد بل في أمة من الأمم واستشهد عليها استشهاداً معنويا بالبيت المذكور، وهو لأبي نواس الشاعر المشهور من شعر يمدح به الفضل بن الربغ الوزير وهو: قولاً لهرون إمام الهدى عند احتفال المجلس الحاشد
نصيحة الفضل واشفاقه أخلى له وجهك من حاسد
بصادق الطاعة ديانها وواحد الغائب والشاهد
أنت على مابك من قدرة فلست مثل الفضل بالواجد
أوجده الله فما مثله لطالب ذاك ولا ناشد
وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وقوله وليس لله روي ليس من الله كما في نسخ هذا الكتاب، والمشهور في الكتب الأدبية
ليس على الله ومستنكر بمعنى مستغرب فلا يقال الأحسن أن يقول ليس من الله بمستبدع، والبيت ظاهر غير محتاج للتفسير وقد تبعه كثير من الشعراء في هذا المعنى، وقوله وهو أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئي! الموحدين أي في عصره، وقوله قدوة المحققين لأنه أؤل من نصب أدلة التوحيد فقوله الذي الخ بيان له والزائغة المائلة عن السداد وقوله بالحجج الدامغة أي التي تلزم الخصم بحيث لا يقدر على الجواب مجاز من دمغه إذا شجه شجة بلغت دماغه. قوله: (ولذلك عقب ذكره بتزييف (في نسخة بالباء وفي أخرى بدونها وعلى الثانية فهو بالتشديد من قولهم عقبه إذا خلفه ثم تعدى بالتضعيف إلى مفعولين، ويجوز رفع ذكره فإنه يقال عقبه تعقيبا إذا جاء بعقبه أي بعده فمن قال إنّ هذا مبنيّ على ترك الباء في تزييف، ولم أجده في النسخ لا يلتفت إليه لأنه موجود في نسخ مصححه عندنا، وعلى الأولى قيل إنه من القلب
والأصل عقب تزييف مذاهب المشركين بذكره، وهو تكلف يؤيد أن تلك النسخة هي الصحيحة والتزييف الرد والإبطال مستعار من زيف الدراهم إذ جعلها زيوفا لا تروج، وهذا إشارة إلى ما مرّ في سورة الأنعام، وقوله من الشرك الخ إشارة إلى ما سبق في النظم. قوله: (أو لأنه كان وحده مؤمناً الخ الأنه عليه الصلاة والسلام

الصفحة 378