كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

إذ الاستفهام لا يسأل عنه، ولما رأى الزمخشري أن الجملة هنا لا تصلح أن تكون مفعولاً ثانيا معنى لما عرفت ولفظاً لأنها لا يصح دخول عن عليها جعل الاستنباء مضمنا معنى القول أي يقولون لك هذا، والجملة في محل نصب مفعول للقول، وهو كلام لا غبار عديه، ومن غير في وجوه الحسان قال بعد ما أخطأ في قوله إن هذه الجملة بتقدير عن أن مراد الزمخشري أن المفعول الثاني مقدر وإن هذه الجملة لا تصح أن تكون مفعولا لأن الاستفهام يمنع من ذلك ولم يعرف أنه يراد بها لفظها على الحكاية ولا يمنع أحد من النحاة قلت هل قام زيد فهو خبط غريا منه. قوله: (إن العذاب لكائن) هذا على التفسير الأول في أحق هو وما بعده على الآخر، قيل كلا الضميرين أي ضمير هو وأنه وهو غير ملائم للسياق ولذا مرضه
قوله: (وأي بمعنى نعم الخ) أي هي جواب وتصديق كنعم ولا تستعمل إلا مع القسم بخلاف نعم فإنها تستعمل به، وبدونه ولذلث سمع من كلامهم وصلها بواو القسم إذا لم يذكر المقسم به فيقولون أيو ويوصلون به هاء السكت أيضا فيقولون أيوه، وهذه شائعة الآن في لسان العوام كذا قرّر. الزمخشريّ لكن ردّه أبو حيان بأنه يجوز استعمالها مع القسم وبدونه، والأوّل هو الأكثر، وما ذكره من السماع ليس بحجة لأنّ اللغة فسدت بمخالطة غير العرب فلم يبق السماع حجة وحذف المجرور بواو القسم والاكتفاء بها لم يسمع من موثوق به، وهو مخالف للقياس. قوله: (بفائتين العذاب) من الفوت بانمثاة من قولهم فاته الأمر إذا ذهب عنه جعله من أعجزه الشيء إذا فاته ويصح جعله من أعجزه بمعنى وجده عاجزاً أي ما أنتم بواجدي العذاب أو من يوقعه بكم عاجزاً عن ادراككم وأيقاعه بكم والفائت على الأوّل هو الكفار لا العذاب. قوله: (بالشرك أو التعدّي على الغير) المراد بالشرك مطلق الكفر هنا وهو أحد استعماليه يعني الظلم إمّا لنفسه، وهو بالكفر وخصه لأنه أعظمه ولأنّ الكلام في حق الكفار، ومنهم من عممه لسائر المعاصي أو لغيره بالتعدي عليه، وقوله من خزائنها وأموالها الإضافة فيه لأدنى ملابسة. قوله: (من تولهم افتداه بمعنى فداه) يعني أنّ افتدى هنا متعد بمعنى فداه أي أعطاه الفداء، وهو ما يتخلص به فمفعوله محذوف أي افتدت نفسها بما في الأرض وقد يكون لازما مطاوع فدى المتعدّي يقال فداه فافتدى، وقد جوّز هذا أيضاً هنا، ولم يلتفت إلى هذا الشيخان لعدم مناسبته للسياق إذ المتبادر منه أنّ غيره فداه لأنّ معناه قبلت الفدية والقابل غير الفعل وفيه نظر لأنه قد يتحد القابل والفاعل إذ أفدى نفسه نعم المتبادر الأوّل. قوله: (لأنهم بهتوا بما عاينوا الخ الما كانت الندامة والندم من الأمور الباطنة وهي لا تكون الأسرا فوصفها بالأسرار مما لا يظهر له وجه، وأيضاً أسرار الندامة يدلّ على التجلد وليس بمراد وجه بأنّ الندامة، وان كانت من الأسرار القلبية لكن آثارها تبدو وتظهر في الجوارح كالبكا وعض اليد ونحو ذلك فالمراد بتخصيص كونها في القلب نفي ما عدا ذلك لشدة حيرتهم وبهتهم من شدّة ما نزل بهم أو المراد أخلصوها لأنها سرية فإذا وصفت بذلك أفاد تأكيدها وقوّتها، واخلاصها لأنّ أعمال القلب من شأنها الاخلاص، ولذا يقال للخالص من الشيء أنه سرّه لأنه من شأنه أن يخفي ويصان ويضن
به، وقيل أسرّ من الأضداد أي من الألفاظ المشتركة بين معنيين متضادّين لأنه يكون بمعنى أخفى وأظهر، وقوله لخالصته الخالصة ما خلص من كل شيء وضمير أنها وبها للخالصة لا لندامة، وفي الكشاف وقيل أسرّ رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم ولم يذكره المصنف رحمه الله لأنّ هول الموقف أشد من أن يتفكر معه في أمثال ذلك وان أمكن توجيهه ولأنّ ضمير أسرّوا عامّ لا قرينة على تخصيصه وأشرّ بالشين المعجمة بمعنى أظهر مشهور وإنما الكلام في كون أسر يرد بمعناه، وفيه كلام في شرح المعلقات. قوله: (ليس تكريرا) يعني لقوله فإذا جاء رسولهم قضى بينهم السابق لأنّ الأوّل بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممهم وهذا مجازاة للمشركين على شركهم وبيان لأنهم لا يزادون على استحقاقهم أو هذا قضاء آخر بين الظالمين السابقين في قوله، ولو أنّ لكل نفس ظلمت والمظلومين الذين ظلموهم وإن لم يجر لهم ذكر هنا لكن الظلم يدلّ بمفهومه عليهم فقوله، والضمير أي ضمير بينهم، وقوله يتناولهم أي المظلومين أو الظالمين

الصفحة 38