كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

يتعدى إلى مفعولين وأخرى إلى واحدة فتعديه، إلى الثاني بعلى غير متعارف أوّلت الآية بوجهين الأوّل تقدير
مضاف، وهو وبال السبت والوبال عاتم أو هو المسخ أي جعل الله، وبال السبت كائنا أو واقعأ على هؤلاء فهي متعدية لمفعولين، وأتى بعلى لاقتضاء الأوّل لها، وقيل إنّ الحال على هذا متعلق بالمضاف المقدر والثاني أن يضمن جعل معنى فرض وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله تعظيم الخ. والأظهر أن يقول كما في الكشاف فرض عليهم تعظيمه، وترك الاصطياد، والتخلي للعبادة لأن التعظيم والتخلي لا يتعديان بعلى وليس في كلامه ما يقتضي أن السبت في الآية مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها، وان كان ورد بهذا المعنى وبمعنى اليوم المخصوص. قوله: (على ئبيهم وهم اليهود) الجار والمجرور متعلق باختلفوا، وفيه مخالفة للزمخشري بجعل ما اختاره مرجوحا، وقد أورد عليه بحث، وهو أن السبت فرض على المختلفين على نبيهم وعلى غير المختلفين عليه أيضأ، والقول بأنهم كلهم اختلفوا ممنوع، والمثبت مقدم على النافي، وفي بعض نسخ القاضي هنا إلا طائفة منهم، وهي تقتضي أنهم لم يختلفوا كلهم (أقول (إن المصنف رحمه الله تعالى تبع الإمام فيما ذكره، وتحقيقه على ما في شروح الكشاف إن الاختلاف إفا أن يقع بينهم بأن يكون فرقة منهم محرمة للسبت، وأخرى محللة له أو يقع من جميعهم بأن يكونوا جميعاً محرمين تارة، ومحللين أخرى لأن الاختلاف كما يقع بين المتنازعين، وهو المعروف الذي فسر به قوله ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فإنه المتبادر يقع بين الفعلين، وإن لم يقع بين قومين بل وقع من الجميع باعتبار زمانين، وهو المراد هنا على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لأنه مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال معنى اختلفوا فيه اختلفوا على نبيهم في ذلك حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت لأنّ اختلافهم في السبت كان اختلافهم على نبيهم في ذلك اليوم، وأيده الطيبي رحمه الله بما روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون الشابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتبناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فهدانا الله له فالناس لنا تبع فيه اليهود غدا والنصارى بعد غد " فلما أمر الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتابعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد اختار الجمعة قبل فلما اختار اليهود السبت فقيل إنما جعل السبت الخ فمعنى اختلفوا فيه خالفوا جميعهم نبيهم فهو اختلاف بينهم، وبين نبيهم فإذا كان هذا تفسير رئيس المفسرين المروي من طرق صحيحة عن أفضل النبيين صلى الله عليه وسلم علم أنّ منعه لا يسمع، وأنّ النسخة المشهورة هي الصحيحة، والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله بقوله أمرهم. قوله:) فرغ فيه من خلق السماوات الأرض! (يعني أنه تعالى لما خلق العالم في ستة أيام بدأ الخلق في يوم الأحد، وأتمه
في يوم الجمعة فكان يوم السبت يوم الفراغ، وقالت اليهود نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال في السبت، وقالت النصارى يوم الأحد مبدأ الخلق فنجعله عيداً لنا، وقلنا نحن يوم الجمعة يوم التمام، والكمال فهو أحق بالسرور والتعظيم كما روي وقوله فألزمهم الله السبت هو مصدو بمعنى تعظيم ذلك اليوم، وقوله وشدد الأمر عليهم بوجوب ترك العمل والاصطياد فيه عليهم لمخالفة نبيهم في الجمعة كما مر ولا حاجة إلى أن يقال إنّ البلوى عمت لغير المختلفين كما قيل. قوله: (وقيل معناه إنما جعل وبال السبت الخ) قد مر بيان إعرابه، وقوله وهو المسخ تفسير للوبال أي، وبال ترك السبت فالمعنى على أنه مصدر سبتت اليهود إذا عظمت ذلك اليوم أو وبال ترك تعظيم السبت على أنه اسم اليوم، ويؤيده قوله فأحلوا الصيد فيه أي في يوم السبت إلا أن يحمل على الاستخدام، وهو خلاف الظاهر هنا، ولذا اختاره الفاضل المحشي فلا وجه لرذه وعلى هذا للمضرة، وهذا رد على الزمخشري فيما اختاره، وقد عرفت وجهه، والحيل جمع حيلة، وقد مرت مفصلة في البقرة. قوله:) وذكرهم (يعني اليهود وما وقع منهم في أمر السبت على وجه التمثيل للمشركين والتهديد لهم بما في مخالفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الوبال كما ذكرت القرية التي كفرت بأنعم الله تمثيلا وهذا على القول الثاني لذكر الوبال فيه تقديراً، وأمّا على الأوّل فلما مر من أنه جواب عما يقال من طرفهم من أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان مأموراً باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما باله لم يعظم السبت

الصفحة 380