كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

والمظلومين معاً، وهذا أيضاً إذا لم يكن القضاء السابق في الدنيا كما مرّ.
قوله: (تقرير لقدرته تعالى على الإثابة والعقاب الخ (يعني أن هذا تذييل لما سبق، وتأكيد واستدلال على ما سبق ذكره بأن من يملك جميع الكائنات وله الترصرّف فيها قادر على ما ذكر، وعلى انجاز ما وعد لأنه لا يخلف ما وعد رسوله به من نصره وعقاب من لم يتبعه فلا يرد على المصنف رحمه الله أنه وعيد والخلف فيه جائز كما تقرّر عندهم فالتعبير بالوعد في الاية ليس تنليبا كما يتوهم، وهذا يعرفه من يتدبر الأمور لا من يغتر بالحياة، ويدري ظاهرها فيظن أنها باقية وذكر القدر على الأمانة استطرادقي لا دخل له في الاستدلال على النشر وقوله لأنّ القادر لذاته بيان لما تقرّر من أن القادر بالذات لا يزول بغيره، والقدرة صفة ذاتية عندنا، وعين الذات عند بعضهم كما هو معلوم في الأصول. قوله: ( {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ} الخ) الخطاب عامّ، وقيل لقريش ومن ربكم متعلق بجاء أو وصفة موعظة ومن للابتداء والموعظة والشفاء للمؤمنين والهداية بمعنى الدلالة مطلقا عامّة وبمعنى الموصلة خاصة أيضا. قوله: (أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الخ) يعني أنّ المراد القرآن وأنّ قوله موعظة إشارة
للعمليات لأن الوعظ ترغيب وترهيب فيحث على محاسن الأعمال ويزجر عن قبائح الأفعال وما بعده إشارة إلى الكمال العلمي بالعقائد الحقة ويتقنها بتصفية الباطن لها حتى تشرق بنور الهداية وتصعد من درجات اليقين إلى أعلى عليين وفيه إشارة إلى أنّ للنفس الإنسانية مراتب كمال من تمسك بالقرآن فاز بها إحداها تهذيب الظاهر عن فعل ما لا ينبغي واليه الإشارة بالموعظة لأنها الزجر عن المعاصي، وثانيها تهذيب الباطن عن العقائد الفاسدة والملكات الرديئة، وهو شفاء ما في الصدور وثالثها تحلي النفس بالعقائد الحقة والأخلاق الفاضلة ولا يحصل ذلك إلا بالهدى، ورابعها تجلي أنوار الرحمة الإلهية وتختص بالنفوس الكاملة وقد وردت الآية مرتبة على هذا الترتيب الأنيق وبتلك الكمالات تحصل مناسبة بين المؤثر والمتأثر ليستعذ بها لفيض إحسانه فلذا لم يحصل له ذلك ابتداء بل في آخر أحواله، وذهاب ظلمة الهيولى التي يتضح بها نور الهداية، وقال الإمام الموعظة إشارة إلى تطهر ظواهر الخلق عما لا ينبغي، وهو الشريعة والشفاء تطهر الأرواج عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الطريقة والهدى ظهور الحق في قلوب الصديقين، وهو الحقيقة والرحمة إشارة إلى بلوغ الكمال والإشراق حتى يكمل غيره ويفيض عليه وهي النبوّة والخلافة فهذه درجات ستة لا يمكن فيها تقديم ولا تأخير واليه الإشارة في الحديث: " كان خلقه القرآن " فتدبر، والمحاسن والمقابح جمع حسن وقبح على غير قياس، وقوله وهدى مرفوع على كتاب وكذا قوله ورحمة والوصف بهذه، وجعلها عينه للمبالغة، وقوله والتنكير فيها أي في هذه المذكورات لا في رحمة فقط كما قيل. قوله: (بإنزال القرآن (الباء للسببية متعلق بفضل الله ورحمته أي ذلك بسبب نزول وهدايتكم به أو هو بدل منه مفسر له أي المراد بفضل الله ورحمته ذلك ويناسب الثاني قول مجاهد رحمه الله الفضل والرحمة القرآن والأوّل تفسيرهما بالجنة، والنجاة من النار والتوفيق والعصمة إلى غير ذلك من التفاسير. قوله: (والباء متعلقة بفعل يفسره قوله فبذلك فليرحوا (يعني فليفرحوا من قوله فبذلك فليفرحوا، وقيل جعل المجموع مفسراً لأنه لولا ذكر المتعلق لم يكن مفسراً بل عاملا فيه فالمفسر في زيداً ضربته ضربته بتمامه إذ لولا الضمير لكان عاملا. قوله:) فإن اسم الإشارة بمنزلة الضمير الخ (يعني أنه من باب الاشتغال وشرطه اشتغال العامل بضمير المعمول واسم الإشارة يقوم مقام الضمير فاشتغاله به بمنزلة الاشتغال بضميره وذلك إشارة إليهما باعتبار ما ذكره في قوله عوان بين ذلك وهو مشهور في اسم الإشارة، وهذا من غريب العربية فإن المعروف في الاشتغال اشتغاله بالضمير وكونه باسم الإشارة لم يذكره النحاة.
قوله: (نقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا الخ (يعني المقدر إما من لفظه أو من معناه كما في زيدأ ضربت غلامه أي أهنت زيداً وهذا مما يجوز إذا دلت عليه القرينة وقد صرّح به النحاة والقرينة قائمة هنا لأن ما يسر به يكون مما يعتني ويهتم بشأنه وتقديم المعمول لاعتناء مؤيد لذلك فقول أبي حيان رحمه الله إنّ هذا إضمار

الصفحة 39