كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

عن جميع الموجودات، والممكنات لأن العامة لا تعرف غيرهما، وقوله ولا متعلقاً بهما كالأعراض والعرس، والكرسي تتوهمه العامة في السماء أيضاً فلا يقال إنّ العامة تعرفهما، وليسا فيهما وقوله في الأرض، ولا في السماء يشمل نفس السماء والأرض أيضاً. قوله: (وتقديم الآرض لأنّ الكلام في حال أهلها الخ) يعني أنها قدمت في كثير من المواضع، وقد وقعت السماوات في سورة سبأ في نظير هذه الآية مقدمة وهي قوله تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} فأشار إلى أنّ حقها ذلك ولكنه لما ذكر قبله شهادته على شؤون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم ناسب تقديم الأرض هنا لأن السياق لأحوال أهلها وإنما ذكرت السماء لئلا يتوهم اختصاص إحاطة علمه بشيء دون شيء وقوله المقصود منه البرهان على إحاطة علمه بها أي بحال أهل الأرض أي المقصود من هذه الآية إحاطة علمه بحال أهل الأرض بأنّ من لا يغيب عن علمه شيء كيف لا يعرف حال أهل الأرض وما هم عليه مع نبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ما في الكشاف من أنّ العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا لأنه لا بد في التقديم من نكتة، وان كانت الواو لا تقتضيه ولأنه عكازة أعمى. قوله: (كلام برأسه مقرّر لما قبله) أي جملة مستقلة، وليس معطوفا على ما قبله حتى يكون الاستثناء منقطعاً أو على خلاف الظاهر ولا إن كانت نافية للجنس فاصغر اسمها منصوب لا مبنيّ على الفتح لشبهه بالمضاف، وكذا أكبر لتقدير عمله وفي إعراب السمين إن لا نافية للجنس وأصغر وأكبر اسمها فهما مبنيان معها على الفتح، وهو سبق قلم فإنه شبيه بالمضاف لعمله في الجار والمجرور فلا وجه لبنائه إلا أنه مذهب البغداديين وهو قول ضعيف. قوله: (بالرفع على الابتداء والخبر) أو على أن لا عاملة عمل لير أما الأول فلأنه يجوز الغاؤها إذا تكروت وأما قولهم إنّ الشبيه بالمضاف يجب نصبه فالمراد المنع من البناء لا منع الرفع والالغاء كما توهمه بعضهم فأتي بما لا طائل تحته ونقل عن سيبويه رحمه الله كلاما لا يدل على مدعاه، ولولا خوف الاطالة نقلتة لك. قوله: (ومن عطف على لفظ مثقال ذرة الخ (أي سواء كان مفتوحاً بأن يجيء بالفتح لأنه لا ينصرف ويعطف على لفظ مثقال أو ذزة أو مرفوعا عطفاً على محله لأنه فاعل ومن زائد وحينئذ ورد عليه إشكال، وهو أنه يصير التقدير ولا يعزب عنه أصغر من ذلك، ولا أكبر إلا في كتاب فيعزب عنه ومعناه غير صحيح، وقد دفع بوجو. منها ما ذكره المصنف رحمه الله وهو أنه إنما يصير المعنى كذلك إذا كان الاستثناء متصلأ
فإذ قدر منقطعا صح لأنه يصير تقديره لكن لا أصغر ولا أكبر إلا هو في كتاب مبين ودفع أيضا بأنه على حد قوله لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وقوله:
ولا عيب فيهم غيرانّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فالمعنى لا يبعد عن علمه شيء لا الصغير ولا الكبير إلا ما في اللوح أو في علمه فإن
عد ذلك من العزوب فهو عازب عن علمه، وظاهر أنه ليس من العزوب قطعنا فلا يعزب عن علمه شيء قطعا، وفي الآية أقوال أخر ضعيفة كجعل إلا عاطفة بمعنى الواو، وكون الكلام على التقديم والتأخير وأنه متعلق بما قبل قوله وما يعزب، وجعله مستثنى من مقدر لا من المنفي المذكور أي ليس شيء إلا في كتاب ونحوه وكلها ظاهرة قوّة وضمعفا إلا ما نقله الإمام عن بعض المحققين من أن العزوب عبارة عن مطلق البعد والمخلوقات فسمان قسم أوجده الله تعالى من غير واسطة كالأرض والسماء، والملائكة عليهم الصلاة والسلام وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث في العالم وقد تتباعد سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة وجود واجب الوجود فالمعنى لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين كتبه الله وأثبت فيه صور تلك المعلومات، فهو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال واثبات العزوب بمعنى البعد عنه في سلسلة الإيجاد لا محذور فيه وهذا وجه دقيق إلا أنه أشبه بتدقيقات الحكماء لبعده عن أسلوب العربية، وقيل معنى معزب يبين وينفصل أي لا يصدر عن ربك شيء من خلقه إلا وهو في اللوح وتلخيصه إنّ كل شيء مكتوب فيه ذكره الكواشي، وقريب منه قوله في المغني إن معنى يعزب

الصفحة 43