كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

ليس يخفى بل يخرج إلى الوجود فمعناه لا يخرج إلى الوجود عنه مثقال ذرّة إلا وهو في كتاب ولا منافاة كما قيل بين قوله هنا، وقوله في سورة سبأ في قوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سورة سبأ، الآية: 3] لا يجوز عطف المرفوع على مثقال والمفتوح على ذرّة لأنّ الاستثناء يمنعه اللهمّ إلا إذا جعل الضمير في عنه للغيب وجعل المثبت في اللوج خارجا لظهوره على المطالعين فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطوراً في اللوح لأنّ مراده الاستثناء المتصل الذي هو الظاهر فيكون كما في الكشاف هنا، ومن ههنا ظهر جواب آخر، وهو أنّ المراد بالبعد عن الله البعد والخروج عن غيبه أي لا يخرج عن غيبه إلا ما كان في اللوج فيعزب عن الغيب إلى الظهور لاطلاع الملائكة عليهم الصلاة والسلام وغيرهم عليه فيفيد إحاطة علمه بالغيب والشهادة، ويظهر منه وجه لتقديم الأرض وهذا معنى حسن من الله به عليّ. قوله: (والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ الم يفسره بالعلم كما في سورة الأنعام لئلا يتكرّر مع قوله عن ربك على ما فسره به أو لاقتضاء المعنى له فتأمّل. قوله: (الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة) الوليئ ضد العدوّ فهو المدبئ ومحبة العباد طاعتهم ومحبته لهم
إكرامه كما في شرح الكشاف ولذا قال القائل رحمه الله تعالى:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذالعمري في القياس بديع
لوكان حبك صادقاً لأطعته إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
وعلى الأؤل يكون فعيل بمعنى فاعل، وعيى الثاني بمعنى مفجول نجهو مشترك فتفسير المصنف رحمه الله له بهما إمّا بناء على جواز استعمال المشترك في معنييه، وامّا باستعماله! في أحدهما وارادة الآخر لأنه لازم له كما قيل ما جزاء من يحبّ إلا أن يحبّ مع أنه يجوز أن يكون بمعنى الفاعل أو المفعول فيهما، وقيل الولاية من الأمور النسبية فاعتبر الولاية من جانب العبد بالطاعة ومن جانب الله بالكرامة فلا حاجة إلى ما قيل إن الواو في كلام المصنفءبمعنى أو. قوله: (من لحوق مكروه الخ) قال الراغب الخوف توقع المكروه وضده الأمن، والحزن من الحزن بالفتح، وهو خشونة في النفس لما يحصل من الغمّ ويضاذه الفرج ولما كان الفرح بحصول المأمول وما يسر كان الحزن بفواته كما قال:
ومن سرّه أن لايرى مايسوءه فلايتخذ شيئاً يخاف له فقدا
ولذا فسره المصنف رحمه الله بما ذكر وهما متقاربان فإذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، ولذا قابله في البيت به، وقيل لحوق المكروه في المستقبل كما صرّحوا به ولا اختصاص لسبب الحزن بفوات المأمول بل قد يحصل من لحوق مكروه في المستقبل فوات مأمول في الماضي ولا يخفى ما فيه، والمراد بانتفاء الخوف، والحزن أمنهم كذلك في الآخرة بعد تحقق مالهم من القرب، والسعادة، وإلا فالخوف والحزن يعرض لهم قبل رزلك سواء كان سببه دنيويا أو أخرويا. قوله: (وقيل {الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ) هو على الأوّل تفسير لما أجمل من أولياء الله الذين لا خوف ولا حزن لهم بأنهم المتقون المبشرون، وهذا جار على وجوه الإعراب، و! ذا مختار الزمخشري حيث قال أولياء الله الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة وقد فسر ذلك في قوله الذين آمنوا وكانوا يتقون فهو توليهم إياه لهم البشرى في الحياة الدنيا، وفي الآخرة فهو توليه إياهم فإن قلت إذا كانا صفتين لأولياء الله، ولما تضمنه من المعنيين يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر ولهم البشرى جملة لا توصف به المعرفة قلت المفسر لا يلزم أن يكون صفة فإذا قدر مبتدأ وجعلا خبرين له كانا مفسرين غير وصفين فإن قلت فكان الظاهر عطف لهم البشرى كما قيل قلت المفسر شيء واحد وان تضمن معنيين قصد تفسيرهما فالظاهر ترك العطف لاتخادهما فتأمّل، وقد وقع تفسير الأولياء بالذين يذكر الله برؤيتهم يعني يظهر عليهم آثار العبادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما ذوو الاخبات، والسكينة وقيل هم المتحابون في الله وعن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء، ولا شهداء تغبطهم
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله قالوا:

الصفحة 44