كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

يا رسول الله خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بيثهم ولا أموال كتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وأنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس " ثم قرأ الآية، وهذا تفضيل لهم بجهة من الجهات فلا يلزم تفضيلهم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل كذا في شروح الكشاف وتابعهم غيرهم وفيه أنه يقتضي تسليم أن هذه الصفات ليست في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس كذلك إذ جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع من آمن بهم جرى يينهم هذا التحالت ألا ترى أهل الصفة رضي الله عنهم متصفين بذلك وهم محبون للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو يحبهم أيضا فلا وجه لما ذكر فالجواب أنّ الغبطة هنا بمعنى أنه يعجبه ذلك لأنه لا يغبط إلا على ما يحمد ويحسن ويعجب من غبط فهو كناية عن ذلك فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن اتصف بذلك لكن مقام الدعوة واشتغاله بمحبة الله أجل من أن يظهر تحابه كيف لا " ولا يتم الإيمان حتى يكون النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وأهله وماله " فلا تكن من الغافلين. قوله: (وهو ما بشر به المتقين الخ) فسر بشرى الدنيا بما ذكره، واطلاق البشرى على أوّلها ظاهر وعلى ثانيها لأنّ الرؤيا المصالحة سماها النبي صلى الله عليه وسلم: " المبشرات " والمكاشفات التي تظهر لصفاء باطن صاحبها مما يسز في المستقبل تبشير له أو لمريده أيضا كما يعرفه أهله وكذا بشرى الملائكة عليهم الصلاة والسلام عند النزع أي نزع الروح بالموت فإنهم يبشرونه ويرى مقامه اللهتم يسر لنا ذلك
بكرمك ورحمتك، وقوله بيان لتوليه لهم هذا من تتمة القيل أي لهم البشرى الخ بيان لهذا كما أنّ ذاك بيان لذاك فإن قلت لم لم يقل لا يخافون ولا يحزنون مع أنه أخصر وأظهر وأنسب للمشاكلة بينهما قلت لأنّ خوفهم من الله مقرّر فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وغيرهم لا يخاف عليهم ذلك ولا يحزنون لأنهم قد بشروا بما يسرّهم عقبه وهذه نكتة لم أر من ذكرها. قوله: (ومحل الذين آمنوا الخ) وجوه الإعراب ظاهرة لكن في جعله صفة فصل بين الصفة والموصوف بالخبر وقد أباه النحاة ممن جوّزه الحفيد رحمه الله، وجوّز فيه البدلية أيضا والمواعيد جمع ميعاد بمعنى الوعد لأنه هو الذي لا يقع فيه الخلف، وقوله إلى كونهم مبشرين أو إلى البشرى بمعنى التبشير وقيل إلى النعيم الذي وقعت به البشرى. قوله: (هذه الجملة والتي قبلها اعتراض) أمّا الأولى وهي لا تبديل لكلمات الله فلأنّ معناها لا إخلاف لوعده فتؤكد البشارة لأنها في معناه، وأمّا الثانية وهي قوله ذلك هو الفوز العظيم فلأنّ معناها أنّ بشارة الدارين السازة، فوز عظيم، وهذا بناء على جواز تعدد الاعتراض وعلى أنه يجوز أن يكون في آخر الكلام، ولذا قيل لو جعلت الأولى معترضة، والثانية تذييلية كان أحسن بناء على أنّ ما في آخر الكلام يسمى تذييلا لا اعتراضاً وهو مجرّد اصطلاح، والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله وليس من شرطه الخ ومراده الاتصال بحسب الإعراب، وفيه أنّ قوله ولا يحزنك يصح جعله معطوفا على الجملة قبله أي إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا يحزنك قولهم وقوله إشراكهم الخ، وكذا ما ضاهاه مما وقع وما سيقع. قوله: (استئناف بمعنى التعليل (أي ابتداء كلام سبق للتعليل أو هو جواب سؤال مقدر تقديره لم لا يحزنه فقيل لأنّ الغلبة لله فلا يقهر، ويغلب أولياؤه، وأمّا كونه بدلاً من قولهم كما قاله ابن قتيبة رحمه الله فرذه الزمخشريّ بأنه مخالف للظاهر لأنّ هذا القول لا يحزنه بل يسرّه وأمّا أنه على سبيل الفرض للإلهاب والتهييج، وأنهم قد يقولونه تعريضاً بأنه لا عزة للمؤمنين فبعيد وقراءة الفتح قراءة أبي حيوة. قوله: (كأنه قيل الخ) يشير إلى أنه كناية على نهج لا أرينك هاهنا أو مجاز لأنّ القول مما لا ينهي كما إذا قلت لا يأكلك الأسد فمعناه لا تقرب منه فالمعنى لا تحزن بقولهم فأسند إلى سببه أو جعل من قبيل ما مرّ وكذا كل ما نهى فيه عن فعل غيره، وقوله فهو يقهرهم الخ
يعني أنّ المقصود من إثبات جميع العزة لله إثباتها لأوليائه ويلزمه ما ذكر، وقوله: لأقوالهم فسره به ليرتبط بما قبله وقوله فيكافئهم إشارة إلى أنّ اطلاع الله على الفعل عبارة عن مجازاته به كما مرّ. قوله: (من الملائكة والثقلين) لأنّ من للعقلاء، والتغليب غير مناسب هنا ووجه التخصيص ما ذكره، وهو جار على الوجوه وقوله

الصفحة 45