كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

وكذبوا القوم الرسل، والمعنى أن حالهم بعد بعثه الرسل كحالهم قبلها في كونهم
أهل جاهلية وقيل ضمير كانوا لقوم الرسل وكذبوا لقوم نوح عليه الصلاة والسلام أي ما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوج عليه الصلاة والسلام أي بمثله، ويجوز أن يكون عائداً الى نوج نفسه أي ما كان قوم الرسل بعد نوج ليؤمنوا بنوج إذ لو آمنوا به آمنوا بأنبيائهم، ومن قبل متعلق بكذبوا أي من قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقيل الضمائر كلها لقوم الرسل بمعنى آخر وهو أنهم بارزوا رسلهم بالتكذيب كلما جاء رسول لجوا في التكذيب، والكفر فلم يكونوا ليؤمنوا بما سبق به تكذيبهم من قبل لجهم في الكفر وتماديهم، وقيل ما مصدرية والمعنى كذبوا رسلهم فكان عقابهم من الله أنهم لم يكونوا ليؤمنوا بتكذيبهم من قبل أي من سببه وجرائه وأيده بقوله كذلك نطبع الخ، والظاهر أن ما موصولة لعود الضمير عليها، وأما كون ما المصدرية اسفا! فقول ضعيف للأخفش وابن السراج، وقوله لشدة شكيمتهم الشكيم والشكيمة حديدة اللجام المعترضة في فم الفرس وفلان شديد الشكيمة على التمثيل أي أبيّ لا ينقاد فالمراد لعنادهم ولجاجهم وفي شرح الكشاف للجاربردي الشكيمة الحديدة الخ وفلان شديد الشكيمة أي شديد إ النفس وفلان ذو شكيمة أي لا ينقاد اص.
قوله: (فما استقام لهم أن يؤمنوا الخ (كان المنفية المقترنة بلام الجحود تدذ على المبالغة
في النفي تقديراً، وبذلك نفي الصحة والاستقامة، وقد يراد به لا ينبغي ولا يليق أو لا يجوز، وقد يستعمل نفيها مطلقا لذلك وصرج به الإمام البغوي في غير هذا المحل لا يقال لعله إنما حمل على نفي الاستقامة لأنّ أصل المعنى نفي كون إيمانهم المستقبل في الماضي، وماله إلى نفي القابلية والاستعداد لأنه قيل إنه مدفوع بجعل صيغة المضارع للحال، ويحمل على زمان إخباره تعالى لنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى ما حصل لهم أن يؤمنوا حال مجيء البينات فيكون زمان عدمه بعد زمان اعتبار عدم الإيمان. قوله:) أي بسبب تعوّدهم تكذيب الحق وتمرّنهم عليه قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام (يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى وأق الباء سببية لا صلة يؤمنوا كما هو الظاهر وما مصدرية ولما كان يأباه عود الضمير عليها جعله عائداً إلى الحق المفهوم من السياق، والمقام ولما كان فيه أنّ الكفر هو تكذيب الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فلا تتضح السببية أو له بأنّ المراد بالتكذيب ما ركز في طباعهم وتعوّدوه قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام من تكذيب كل حق سمعوه وهذا سبب للسبب وهو شدة شكيمتهم ولذا قذضه، ولا يخفى ما فيه من التكلف فالأظهر ما قدمناه وقيل ما موصولة والباء للسببية أو الملابسة أي بالشيء الذي كذبوا به وهو العناد، وقد مز ما قيل إنّ ضمير به لنوح عليه الصلاة والسلام، وقوله كذلك نطبع أي مثل هذا الطبع كما مرّ تحقيقه. قوله:) وفي أمثال ذلك دليل الخ) المراد بأمثال ذلك ما وقع فيه ذكر الطبع والختم والتغشية، وما أحال عليه هو ما
ذكره في أوائل سورة البقرة وقوله الأفعال أي أفعال العباد القبيحة، أو مطلق الأفعال التي للعباد إذ لا قائل بالفصل وكونها واقعة بقدرة الله لإسنادها إليه وقبحها عائد إلى الاتصاف بها لا إلى إيجادها، وخلقها كما برهن عليه في الكلام وكسب العبد لها ظاهر إذ طبع الله على قلبه عبارة عن منعه عن قبول الحق والإيمان، وهو عين الكفر فقوله بخذلانهم بيان لسبب فعل الله بهم ذلك، وخلقه فيهم وليس تفسيراً للطبع بالخذلان حتى ينافي الدلالة المذكورة، فإنّ المعتزلة يفسرونه بذلك حيث وقع تطبيقاً له على مذهبهم فلا غبار عليه كما توهم، وفي الكشاف الطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم لأنّ من عاند وثبت على اللجاج خذله الله ومنعه التوفيق واللطف، فلا يزال كذلك حتى يتراكم الرين والطبع على قلبه وهذا تأويل للآية ليوافق مذهبه، وهل هو كناية أو ليس بكناية لكنه جار مجراها يعرف بتدقيق النظر في كلام شرّاحه، والآيات التسع هي العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفاح والدم والطمس وفلق البحر. قوله: (معتادين الإجرام) بفتح الهمزة وكسرها جمع ومفرد أي الذنوب العظيمة أو فعل الذنب العظيم لأنّ الجرم ما عظم منه، وهذه الجملة معترضة تذييلية وجوّز فيها الحالية فيفيد اعتيادهم ذلك وتمرّنهم عليه لأنّ معناها أنه شأنهم ودأبهم كما يعرفه من له ممارسة بعلم البلاغة، وكذا

الصفحة 49