كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

في إدخال الناس النار كقوله: {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 13] وسمى ما يحصل منه العذاب فتنة، ويستعمل في الاختبار نحو فتناك فتونا، واستعمل بمعنى البلاء والشدة وهو المراد هنا أي أن يبتليهم ويعذبهم. قوله: (وهو بدل منه (أي من فرعون بدل اشتمال أي على خوف من فرعون فتنته أو مفعول الخوف لأنه مصدر منكر يجوز إعماله، وقيل إنه على تقدير اللام وهو مما يطرد الحذف فيه، ولا يلزم فيه أن يستوفي شروط المفعول له كما قيل. قوله: (وإفراده بالضمير) أي بالإبدال منه وارجاع الضمير إليه لأنه شرط في بدل الاشتمال ويحتمل أن يريد أنه بدل منه وما عطف عليه وأفرد الضمير لما ذكره وان كان الخوف والبدلية من المجموع ففي تعبيره على كل حال تساهل لا يخفى، وقوله كان بسببه لأنهم مؤتمرون بأمره ثم إنه قيل أن قوله وإفراده بالضمير جار فيما إذا كان المراد بفرعون آله بأن يرجع إليه وحده على طريق الاستخدام، وإنه ردّ على الزمخشري إذ منعه، ولا يخفى ما فيه من التكلف وفسر العلو بالغلبة والقهر، وهو مجاز معروف، وقوله في الكبر أي التكبر والعتوّ أي التجبر إشارة إلى أنّ الإسراف مجاز عن تجاوز الحد لا التبذير وبين مجاوزة الحد فيهما بما ذكر على اللف والنشر المرتب، وقوله فثقوا به الخ قيل لو قدم الجاز والمجرور ليفيد الحصر كما في الآية كان أحسن وليس كما ظن لأنه غفلة عن مراده وليس هذا بتفسير بل بيان لما تعلق به الثرط وتوطئة له، والملاحظ فيه التوكل فقط كما سنبينه. قوله: (وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين) يعي
أنه من تعليق شيئين بشرطين لأنه علق وجوب التوكل بالإيمان، وعلق نفس التوكل بالإسلام وهو الإخلاص لله والانقياد لقضائه كالمثال الذي ذكره فإنّ وجوب الإجابة معلق على الدعوة ونفس الإجابة معلقة على القدرة، وعلى هذا حمل كلام الكشاف بعض شراحه، وقال إنه يفيد مبالغة في ترتب الجزاء على الشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق إن كنت تزوّجتني، وسيأتي تفصيله، وخالف من قال إنّ مراده أنه من باب التعليق بشرطين المقتضي لتقدّم الشرط الثاني على الأوّل في الوجود حتى لو قال إن كلمت زيداً فأنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق ما لم تدخل قبل الكلام لأنّ الشرط الثاني شرط للأوّل! فيلزم تقدمه عليه، وقزره بأنّ هنا ثلاثة أشياء الإيمان، والتوكل والإسلام، والمراد بالإيمان التصديق وبالتوكل إسناد الأمور إليه وبالإسلام تسليم النفس إليه، وقطع الأسباب فعلق التوكل بالتصديق بعد تعليقه بالإسلام لأن الجزاء معلق بالشرط الأوّل وتفسير للجزاء الثاني كأنه قيل إن كنتم مصدقين الله، وآياته فخصوه بإسناد جميع الأمور إليه وذلك لا يتحصل إلا بعد أن تكونوا مخلصين لله مستسلمين بأنفسكم له ليس للشيطان فيكم نصيب والا فاتركوا أمر التوكل لأنه ليس لكل أحد الخوض فيه. قوله: (فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل الخ) الوجوب مأخوذ من الأمر وتقديم المتعلق لأنه إذا كان إسناد الأمور إلى الغير لازماً، وقد أسندت إليه تعالى دون غيره اقتضى وجوب ذلك ولو جاز التوكل على غيره لم يكن واجبأ، وقد علق التوكل المقصور على الأوّل، وجعل الثاني معلقا بقوله توكلوا وحده كما أشار إليه بتأخير المتعلق، ولا حاجة إلى اعتبار القصر فيه لأن الإخلاص يغني عنه كما أشار إليه بقوله فإنه لا يوجد مع التخليط أي عدم الإخلاص لأن من لم يخلص لله لم يتوكل عليه لأن من توكل عليه كفاه فأمعن فيه النظر فإنه من غوامض الكتاب. قوله: الأنهم كانوا مؤمنين مخلصين (هذا يؤخذ من التوكل وقصره على الله ومن التعبير بالماضي دون توكل والدعوة ربنا لا تجعلنا فتنة الخ وقيل إنه مبني على أن دعاء الكافر في أمر الدين غير مقبول، ولا دلالة له على الإخلاص، وفيه نظر وقوله موضع فتنة أي موضع عذاب لهم بأن تسلطهم علينا فيعذبونا، وقيل الفتنة بمعنى المفتون وهو المراد بموضع الفتنة مجازأ وقوله أي لا تسلطهم الخ تفسير له وقوله من كيدهم إشارة إلى أنّ النجاة بمعنى الخلاص وأنه إما مما يتهمون به أو من أنفسهم، وقوله وفي تقديم التوكل الخ، ولا ينافيه أنه قدم لكونه بيانأ لامتثال أمر موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالتوكل فإن النكات لا تتزاحم. قوله: (أي اتخذا مباءة (بالمذ أي
منزلاً من تبوأ المكان اتخذه مباءة كتوطنه اتخذه وطناً وتبوّأ قيل إنه يتعدّى لواحد قيقال: تبوأ القوم بيوتاً

الصفحة 53