كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

فإذا دخلت اللام الفاعل فقيل تبوّأت للقوم بيوتا تعدى لما كان فاعلا باللام فيتعدى لاثنين كما هنا وقال أبو علي رحمه الله هو متعد بنفسه لاثنين، واللام زائدة كما في ردف لكم وفعل، وتفعل قد يكون بمعنى وكلام المصنف رحمه الله صريح في الأوّل وأن تحتمل المصدرية والتفسيرية.
قوله: (يسكنون فيها أو يرجعون إليها الم يذكر الأوّل في الكشاف، واتخاذها مسكنا لا يقتضي بناءها ولا ينافيه، وقوله أنتما وقومكما إشارة إلى توجيه الجمع بين التثنية والجمع لأن الاتخاذ والتشريع مخصوص بهما فلذا ثنى أوّلاً، وأمّا العبادة فلا تختص فلذا جمع الضمير ليشمل القوم كما سيشير إليه، وبين أنه من تغليب المخاطب على غيره أيضا. قوله: (تلك البيوت (إشارة إلى أنّ الاضافة للعهد، وقوله مصلى الخ يعني تلك البيوت المتخذة إن كانت للسكنى فمعنى اتخاذها أن تكون محلاً للصلاة فيها فالقبلة مجاز عن المصلي، وإن كانت للصلاة فمعنى القبلة المساجد مجازا أيضا بعلاقة اللزوم أو الكلية والجزئية، وهذا لف ونشر ناظر إلى قوله يسكنون أو يرجعون. قوله:) وكان موسى-نحييصلي إليها) هذا لا يوافق ما مر في البقرة في تفسير قوله تعالى وما بعضهم بتابع قبلة بعض من أن اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس وهو المنصوص عليه في الحديث الصحيح وجعل البيوت قبلة ينافيه ما في الحديثأ2 (جعلت إلى الأرض مسجداً وطهورأ من أنّ الأمم السالفة كانوا لا يصلون إلا في كنائسهم، وأجيب عن هذا بأنّ محله إذا لم يضطروا فإذا اضطروا جازت لهم الصلاة في بيوتهم كما رخص لنا صلاة الخوف فإن فرعون لعنه الله خرّب مساجدهم، ومنعهم من الصلاة فأوحى الله إليهم أن صلوا في بيوتكم كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما وذكره البزيزي في تفسيره، وقوله وكان موسى يصلي إليها هذا قول خلاف المشهور وأغرب منه ما قاله العلائي رحمه الله من أنّ جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت قبلتهم الكعبة. قوله:) أمروا بذلك الخ (بناء على أنّ المراد بالبيوت المساكن أفا لو أريد المساجد فلا يصح هذا التوجيه، وقوله
وانما ثنى الضمير الخ توجيه لاختلاف الضمائر، وقوله لأنّ البثارة الخ، وأيضاً تبشير العظيم أسرّ، وأوقع في النفس وقوله وأنواعا من المال حمله عليه لأنّ المال اسم جنس شامل للقليل، والكثير فإذا جمع دل على قصد الأنواع المتعددة وذكر المال بعد الزينة من ذكر العام بعد الخاص للشمول أو تحمل على ما عداه بقرينة المقابلة وقوله تعالى: {لِيُضِلُّواْ} قرىء بفتح الياء وضمها. قوله: (دعاء عليهم بلفظ الأمر) ذكروا فيه ثلاثة أوجه لأنّ اللام لام الأمر، والفعل مجزوم والأمر للدعاء أو لام التعليل أو لام العاقبة والصيرورة والفعل منصوب وقدم الدعاء على غيره إشارة لترجيحه كما في الكشاف، وقد قال في الانتصاف أنه اعتزال أدق من دبيب النمل يكاد الاطلاع عليه أن يكون كشفا لأنّ الظاهر أن اللام للتعليل ومعناه إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بأنه تعالى إنما أمرهم بالزينة والأموال، وما يتبعهما استدراجاً ليزدادوا إثماً وضلالة كقوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا} والزمخشري لاستحالة ذلك عنده أعمل الحيلة في تأويلها وقال في الفرائد لولا التعليل لم يتجه قوله إنك آتيت فرعون وملأه زينة ولم ينتظم، وقد أورد عليه أيضاً أنه ينافي غرض البعثة وهو الدعوة إلى الإيمان والهدى ودفع هذا كله بأنه لم يجنح إلى ما قصده الزمخشريّ لأنه ليس من منطوقه ولكل امرىء ما نوى وبأنّ المصنف رحمه الله أشار إلى دفع الأخير بأنه لما مارسهم وعلم أنه كائن لا محال دعا به كما يدعو الوالد على ولده إذا ليس من رشده بأن يدوم على الشقاوة والضلال وأمّا انتظام الكلام فهو أنّ موسى عليه الصلاة والسلام ذكر قوله إنك آتيت الخ تمهيداً للتخلص إلى الدعاء عليهم أي أنك أوليتهم هذه النعم ليعبدونك ويشكروك فما زادهم ذلك إلا كفراً وطغيانا فليضلوا عن سبيلك ولو دعا ابتداء لم يحسن فلذا قدم الشكاية من سوء حالهم ثم دعا عليهم فلم ينكر ذلك منه. قوله: (وقيل اللام للعاقبة الخ) قيل عليه أن موسى صلى الله عليه وسلم لا يعلم عاقبتهم، ودفع بأنه أخبر عنها بالوحي واعترض بأنه مخل بالتكليف لأنه كيف يطلب منهم ما أعلمه الله بأنه لا يقع، ولو قيل إنه لما رأى أحوالهم علم أنّ أمرهم يؤول إلى ذلك لممارسته وتفرسه لم يرد شيء من ذلك. قوله: (ويحتمل أن تكون للعلة الخ) والمراد

الصفحة 54