كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

من التعليل إنه إنما أنعم عليهم مع كفرهم لاستدراجهم بذلك فالاستدراج سبب وعلة لضلالهم أو لاضلالهم والظاهر أنه حقيقة على هذا وأنه مقصود لله تعالى، ولا يلزم ما قاله المعتزلة من أنه إذا كان مراد الله يلزم أن يكونوا مطيعين بضلالهم بناء على أن الإرادة أمر أو مستلزمة لأنه تبين بطلانه في الكلام السابق فلا حاجة إلى
جعل المعنى لئلا يضلوا كما قدره بعضهم أو التعليل مجازيّ، كما أشار إليه بقوله ولأنهم الخ فلما ضلوا بسبب الدنيا جعل ايتاؤها كأنه لذلك فيكون في اللام استعارة تجية، والفرق بين هذا وبين العاقبة أن قلنا باً نه معنى مجازي أيضاً أن في هذا ذكر ما هو سبب لكن لم يكن ايتاؤه لكونه سبباً وفي لام العاقبة لم يذكر سبب أصلاً وهي كاستعارة أحد الضدين للآخر فاعتبر الفرق فإنه محل اشتباه حتى وهم فيه كثير وقوله فيكون ربنا تكريرا الخ يعني في الاحتمالين الأخيرين للام وهو اعتذار عن توسطه بين العلة ومعلولها، وليس من مواقع الاعتراضى ولذا عيب قول النابغة:
لعل زياد إلا أبالك غافل
فتكريره للتأكيد، وللإشارة إلى أنه المقصود وان ورد في معرض! العلة لأنّ ما قبله بث
لسوء حالهم توطئة لما بعده كما مرّ. قوله تعالى: ( {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ) في الفصول العمادية قال شيخ الإسلام خواهر زاده الرضا بكفر الغير إنما يكون كفرا إذا كان يستجيز الكفر أو يستحسنه أمّا إذا لم يكن ذلك ولكن أحب الموت، أو القتل على الكفر لمن كان مؤذيا حتى ينتقم الله منه فهذا لا يكون كفرا، ومن تأمل قوله تعالى: {رَبَّنَا اطْمِسْ} الآية يظهر له صحة ما ادعينا، وعلى هذا لو دعا على ظالم بنحو أماتك الله على الكفر، أو سلب عنك الإيمان لا ضرر عليه فيه لأنه لا يستجيزه ولا يستحسنه، ولكن تمناه لينتقم الله منه ث وقال صاحب الذخيرة: قد عثرنا على رواية عن أبي حنيفة رحمه الله أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل ففيه اختلاف لكن الأوّل هو المنقول عن الماتريدي أما رضاه بكفر نفسه فكفر بلا شبهة وظاهر قولهم على ما نقل في الشكف أن من جاءه كافر ليسلم فقال اصبر حتى أتوضأ أو أخره يكفر لرضاه بكفره في زمان قليل يؤيد ما روي عن أبي حنيفة رحمه الله قلت لكن يدل على خلافه ما روي في الحديث الصحيح في فتح مكة أنّ ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله عنه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: " يا رسول الله بايعه فكف صلى الله عليه وسلم يد. عن بيعته ونظر إليه ثلاث مرات ") 1) وهو معروف في السير فهذا يدل على أنّ التوقف مطلقا ليس كما قالوه كفرا فليتأمل، وقوله جواب للدعاء وهو اشدد لا اطمس فهو منصوب والدعاء بلفظ النهي ظاهر وهو مجزوم وإذا عطف على ليضلوا فهو منصوب أو مجزوم على الوجهين السابقين. قوله: (أي أهلكها الخ) أصل الطمس محو الأثر والتغيير ويستعمل بمعنى الإهلاك والإزالة أيضا وفعله من
باب ضرب ودخل ويتعدّى ولا يتعدى، وقوله المحق هو المحو كما في بعض النسخ وأقسها في كلام المصنف ضبط بفتح الهمزة من الأفعالط. قوله: (لأنه كان يؤمن) بالتشديد أي يقول آمين وآمين بمعنى استجب فهو دعاء وضمير لأنه لهارون وهذا دفع لأنّ الداعي هو موسى عليه الصلاة والسلام فكيف قيل دعوتكما وإن كان التخصيص بالذكر لا يقتضي أن غيره لم يدع، وفسر الاستقامة بالثبات على الدعوة بعد دعائه باهلاكهم فيقتضي أن لا يستعجلا بالإجابة إذ لو وقعت لم يؤمرا بدعوتهم فلذا قال ولا تستعجلا فلا حاجة إلى القول بأنه مفهوم من روأية خارجة، وقوله أنه أي موسى عليه الصلاة والسلام أو فرعون قيل وهو أولى. قوله: (وعن ابن عامر برواية ابن ذكوان ولا تتبعان بالنون الخفيفة الخ) قرأ العامة بشديد التاء والنون وقرىء بتخفيف النون! مكسورة مع تشديد اال! تاء وتخف! فها فإمّ قراءة العامة فلا فيها للنهي، ولذلك أكد الفعل وأما كونها نافية فضعيف لأنّ المنفي لا يؤكد على الصحيح، وأمّا قراءة التخفيف فلا إن كانت نافية فالنون علامة الرفع والجمبة حالية أي استقيما غير متبعين إلا أنه قي! ل إنّ المضارع المنفي بلا كالمثبت لا يقترن بالواو إلا أن يقدر المبتدأ أو دفع بأن ابن الحاجب رحمه الله جوّز فيها الاقتران بالواو وعدمه كما نقل في شرح الكشاف فلا إشكال وقيل إنه مرفوع والجملة سستأنفة للإخبار بأنهما لا يتبعان سبيل الجهلة، وأمّا أن لا ناهية والنون نون التأكيد الخفيفة كسرت لالتقاء الساكنين، فالكسائي

الصفحة 55