كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

وأمّا الرضا بالكفر فقد قدمنا أنه ليس بكفر مطلقا بل إذا استحسن وإنما الكفر رضاه بكفر نفسه كما في التأويلات لعلم الهدى، وقيل إنه صحيح لكن الرضا بكفر نفسه إنما يكون، وهو كافر فلا معنى لعده كفراً والكفر حاصل قبله ومرّت مسألة من جاء ليسلم فاستمهل، وما فيها، وقيل عليه أنّ كون الرضا بكفر نفسه دون غيره كفراً منقولة في الفتاوى فلا وجه لانكارها وهي لا تقتضي سبق الكفر لأنه لو عزم على أن يكفر غداً كفر لرضاه بذلك وفيه أنه لم ينكرها وإنما قال إن كونها كفراً ظاهري ولا ينبغي عدها مما يكفر به لأنه إمّا رضا بكفر سابق أو في الحال أو في المستقبل فإن رضي بكفره ا! بق فكما قال وان رضي بكفر في الحال فان كان غير الرضا صار ماضيا عنده وان كان نفس الرضا فهو إنشاء كفر لا رضا به، وكذا ما في المستقبل فتأمّل. قوله: (وبالغ فيه الأنه أتى بثلاث جمل، ولذ قيل إنه ينافي حال اليأس، وقوله آمنت إنشاء لا أخبار عن إيمان ماض كما قيل، وقوله أتؤمن الآن قدر الفعل مقدماً لأن الاستفهام أولى به، وأشار إلى أنه لا حاجة لتقديره مؤخراً ليفيد التخصيص لأن لفظ الآن مخصص دالّ على أنه لا إيمان له قبله فما قيل إنه لو أخره كان أولى لا وجه له والقائل هو الله وقيل جبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله الضالين المضلين عن الإيمان لأن وصف الكافر المتصف بالكفر الذي هو أعظم من كل جرم بالفساد ونحوه يقتضي صرفه إلى المبالغة في كفره فلذا فسره بالضالّ بكفره المضل لغيره بحمله عليه. قوله: (نبعدك مما وقع فيه قومك الخ) ننجي على القراءة المشهورة تفعيل من النجاة وهي الخلاص مما يكره وبعد اغراقه لا نجاة له فهو إما مجاز عن يخرجك من قعر البحر إلى الساحل والتعبير به تهكم واستهزاء وطفا على الماء علا عليه ولم يرسب، أو هو من النجوة والنجوة المكان المرتفع قيل وسمي به لكونه ناجيا من السيل يقال نجيته إذا تركنه بنجوة أو ألقيته عليها، وقوله ليراك بنو إسرائيل لأنّ منهم
من تردّد في هلاكه كما سيأتي. قوله: (وقرأ يعقوب ننجيك الخ) وهذه القراءة من الأفعال وهي بمعنى التفعيل بمعنييه السابقين، وأمّا القراءة بالحاء المهملة فمعناها نجعلك في ناحية كما ذكره وهي قرءة ابن السميفع لكن في النشر ومما لا يوثق بنقله قراءة ابن السميفع وأبي السماك ننحيك بالحاء، ولمن خلقك بفتح اللام والقاف انتهى. قوله:) في موضع الحال أي ببدنك عارياً عن الروج الخ) وهو مبنيّ على التجريد وجوّز أن يكون بدل بعض والباء زائدة فيه ولوحظ فيه للتخصيص بالذكر كونه عاريا إمّا عن الروح أو اللباس، أو كونه تامّا وجعل حالاً بهذين الاعتبارين فليس تأكيداً مثل تكلم بفيه كما قاله أبو حيان: أو المراد بالبدن الدرع لأنه اسم للدرع القصير الكمين والباء للمصاحبة كما في دخل عليه بثياب السفر، وفي الضوء الفرق بين الباء ومع أنّ مع لاثبات المصاحبة ابتداء والباء لاستدامتها وأصله نطرحك بعد الغرق بجانب البحر ثم سلك طريق التهكم فقيل ننجي ولمزيد التصوير أوقع ببدنك حالاً من ضمير ننجيك. قوله: (وكانت له درع الخ) قيل إنها كانت مرصعة بالجواهر وقيل كانت من حديد لها سلاسل من الذهب، وقوله يعرف بها لبيان حكمة ذكرها، وقيل ببدنك بصورتك لأنه كان أشقر أزرق العين طويل اللحية قصير القامة ليس له مثابة في بني إسرائيل. قوله: (وقرىء بابدانك الخ (أي قرىء بالجمع بجعل كل عضو بمنزل البدن فأطلق الكل على الجزء مجازاً كقولهم هوى بإجرامه فإنه بمعنى جرمه وجسمه فأطلق الجمع لما ذكر وليس بمعنى ذنوبه كما توهم وهو إشارة إلى بيت من قصيدة ليزيد بن عبد ربه، وقيل هي ليزيد بن عبد الحكم الثقفيّ أوردها ابن الشجري في أماليه أولها:
تكاشرني كرها كأنك ناصح وعينك تبدي أن صدرك لي دوي
ومنها:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النيق منهوي
وهو محل الاستشهاد ومنها:
فليت كفافا كان خيرك كله وشرك عني ما ارتوى الماء مرتوي
وقوله أو بدرعك إشارة إلى التفسير الآخر ومظاهراً من قولهم ظاهر وطابق وطارق إذا
لبس ثوبا على ثوب أو درعا على درع، وقوله في البيت طحت بمعنى هلكت والنيق بكسر النون ما ارتفع من الجبل وكذا

الصفحة 57