كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

القلة. قوله: (لمن وراءك علامة الخ) والمراد بمن خلفه من بقي
بعده من بني إسرائيل، وقوله: إذ كان تعليل لجعله آية واحتياجهم إلى العلامة وأنه لا يهلك بمعنى من أنه أو هو بدل من الضمير في خيل، ومطرحا بتشديد الطاء بمعنى ملقى والممرّ محل المرور، أو لمن يأتي عطف على قوله لمن وراءك وهذا أنسب بقوله وانّ كثيراً من الناس الآية وخلفك على الأوّل ظرف مكان وعلى الثاني ظرف زمان، وقوله أو حجة عطف على عبرة وعلى ما كان عليه حال من ضمير مملوك وتزويره دعواه الألوهية وقوله محتمل على المشهور على القراءة بالفاء.
تنبيه: استشكل قصة فرعون بأنّ إيمانه إن كان قبل رؤية ملائكة الموت وحال اليأس فباب التوبة مفتوج فلم لم يقبل إيمانه وان كان بعده فلا ينفعه ما ذكر من النطق والجواب، وهو مخالف للإجماع وأجيب عنه بوجوه أحدها أنه كان دون ظهور أمر عظيم فلذا لم يقبل إيمانه، الثاني أنه كان بعد موته كسؤال الملكين، الثالث أنه في حال حياته لكنه علم عدم إخلاصه في اعتقاده، ولذا قال جبريا! عليه الصلاة والسلام خشيت أن تدركه الرحمة، والمتكلم بقوله الآن جبريل وقيل ميكائيل لأنه ملك البحار وعندي أنّ هذا كله تكلف، وأنه إنما لم يقبل إيمانه لأنّ شرط صحته وقبوله إجابة دعوة رسول زمانه صلى الله عليه وسلم وقد عصاه ولم يجبه وبه صرّج في الكتاب الكريم في قوله عز وجل: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} ، [سورة المزمل، الآية: 6 ا] وهو غير مناف للحديث. قوله: (منزلاً صالحاً مرضياً الخ (فمبوّأ اسم مكان منصوب على الظرفية ويحتمل المصدرية بتقدير مضاف أي مكان مبقا وبدونه وثوأ متعدّ لواحد إذا فسر بأنزل وقد يتعدى لاثنين فيكون مبوّأ مفعولاً ثانياً، والصدق ضد الكذب قال العلامة: من عادة العرب إذا مدحت شيئأ أن تضيفه إلى الصدق تقول رجل صدق وقدم صدق وقال تعالى: {مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} إذا كان عاملاً في صفة صالحا للغرض المطلوب منه كأنهم
لاحظوا أنّ كل ما يظن به فهو صادق ولذا فسر. بقوله صالحاً مرضيا وفي بني إسرائيل هنا قولان للمفسرين قيل هم الذين في زمان موسى صلى الله عليه وسلم فالمبوّأ على هذا المراد به الشأم ومصر، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله وقدمه وقيل الثأم وبيت المقدس بناء على أنهم لم يعودوا إلى مصر بعد ذلك وفيه كلام قد مرّ وقيل هم الذين على عهد نبينا عليه الصلاة والسلام فالمبوّأ أطراف المدينة إلى جهة الشأم، وألى هذا التفسير أشار بقوله أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فكان عليه أن يشير إلى تفسير المبوّ! عليه أيضا ولا بد أن يراد ببني إسرائيل ما يشملى ذرّيتهم لأن بني إسرائيل ما دخلوا الشام في حياة موسى صلى الله عليه وسلم وإنما دخله أبناؤهم، وقوله من اللذائذ وقد تفسر بالحلال وقوله فما اختلفوا في أمر دينهم بناء على أنّ بني إسرائيل من في عصر موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده على القول الآخر وقوله بنعوته المذكورة في التوراة وتظاهر معجزاته قوّتها وكثرتها. قوله: (من القصص) خصه لأنّ المراد دون الأحكام لأنها لنسخها شريعتهم تحالفها فلا يتصوّر سؤالهم عنها، وقوله على سبيل الغرض والتقدير دفع لتوهيم وهو أنه صلى الله عليه وسلم لا يتصوّر منه لانكشاف الغطاء له، وقد دفع بمراتب لأن الخطاب ليس له بل لكل من يتصوّر منه الشك كما في قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [سورة السجدة، الآية: 12] وقولهم إذا عز أخوك فهن، ولو سلم أنه له فهو على سبيل الفرض والتقدير، ولذا عبر بأن التي تستعمل غالباً فيما لا تحقق له حتى تستعمل في المستحيل عقلا وعادة كقوله: {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ} [سورة الأنعام، الآية: 35] وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها، ولما ورد بعد ذلك أنه ما الفائدة حينئذ أشار إلى جوابه بقوله، والمراد الخ يعني أنّ الفائدة فيه الاستدلال على حقيته وبيان أنّ القرآن مصدق لها بمطابقته لها مع إعجازه، وقوله والاستشهاد تفسير للتحقيق معطوف عليه، وأنّ القرآن عطف على ذلك فمحصله دفع الشك إن طرأ لأحد غيره بالبرهان. قوله: (أو وصف أهل الكتاب) هذه فائدة ثانية محصلها توبيخ أهل الكتاب لعلمهم بما أوحي إليك وأنه حق، وقوله أو تهييج الرسول صلى الله عليه وسلم فائدة ثالثة محصلها تهييج الرسول وتحريضه ليزداد يقيناً كما قال الخليلء! ييه ولكن ليطمئن قلبي وأيد هذا بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حين نزول الآية: " لا
أشك ولا أسأل "

الصفحة 58