كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

القرى لأنّ أحدهما كاف والأصل عدم التقدير فلا يتجاوز قدر الضرورة انتهى، ولذا أسقطه المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: إنه ذكر إشارة إلى بقاء القرية على حقيقتها ورد بأنّ كونها من القرى يغني عنه مع أنه ذكر أن المراد بها أهلها فلا يتأتى ما ذكر، وتيد بقوله قبل معاينة العذاب إذ لو أطلق يبق لقوله إلا قوم يونس وجه، ثم إنه أورد عليه
أن التحضيض على الصفة فلا غبار فيه، وفيه بعد تأمل قيل والظاهر أن يقول أشرفنا بها على الهلاك ليمكن جعل الاستثناء متصحلا، وقوله كما أخر فرعون إشارة إلى وجه ارتباط هذه الآية بما قبلها. قوله: (لكن قوم يونس) بيان لأنّ الاستثناء منقطع وإليه ذهب سيبويه والكسائي وأكثر النحاة لعدم اندارجه فيما قبله أن أبقيت القرية على ظهره وكذا إن قدر وصفها بكونها من الهالكين فلذا نصب المستثنى، وقوله أوّل ما رأوا الخ سيأتي بيانه.
تنبيه: في بعض التفاسير يجوز في يونس ويوسف تثليث النون والسين مهموزاً وغير مهموز وهي لغات فيهما المتواتر منها الضم. قوله: (ويجوز أن تكون الجملة في معنى النفي الخ) أصل معنى التحضيض يشعر بالأمر حتى جعلوه في حكمه، وعلى كون الاستثناء متصلاً لا بد أن يلاحظ فيه معنى النفي رالا فسد المعنى لما يلزمه من كون الإيمان من المستثنين غير مطلوب، ولذا فسر بما آمنت وكون المواد بالقرى أهاليها لقوله: {آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} [سورة يونس، الآية: 98] ولو اعتبر التحضيض لم يصح الاتصال لأنّ التحضيض طلب للإيمان، وهو مطلوب فيه وقيل عليه بل يصح الاتصال على تقديره أيضا لأن أهل القرى محضوضون على الإيمان النافع وليس قوم يونس محضوضين عليه لأنهم آمنوا، وقيل المعنى ما آمن من أهل قرية من القرى الهالكة فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس فجعل مدار الوجهين على توصيف القرى تارة بالهالكة، وأخرى بالعاصية وخصه الزمخشري بالهالكة وجوّز الوجهين وعلله بأنّ المراد بالقرى أهاليها فأورد عليه أنّ التعليل ليس في محله لعدم توقف صحة الاستثناء عليه مع أنه لا يناسب الاتصال لأنّ قوم يونس ليسوأ من الهالكين ودفع بأن المراد المشرفين على الهلاك في الاتصال مع بقائه على ظاهره في الانفصال، ولا يخفى ما فيه من التعسف، واعلم أن الإيمان بعد مشاهدة ما وعدوا به إيمان يأس غير نافع وعادة الله إهلاكهم من غير إمهال فإن كان قوم يونس شاهدوه فهذا خصوصية ليونس واليه ذهب كثير من المفسرين لقوله كشفنا والا فلا. قوله: (ويؤيده قراءة الرفع على البدل الأن البدل لا يكون إلا في غير الموجب وهو بدل من قرية المراد بها أهلها وقد خرّجت هذه أيضاً على أن إلا بمعنى غير وهي صفة وظهر إعرابها فيما بعدها. قوله: (إلى آجالهم) بالفتح والمدّ جمع أجل وما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسيره بقوله {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأحقاف، الآية: 5] لا صحة له وتوجيهه بأنهم إحياء
سترهم الله عن الناس مما لا وجه له، ونينوى بالكسر من بلاد الموصل قريبة منها والموصل بفتح الميم وكسر الصاد بلدة مشهورة والمسوح جمع مسح بوزن ملح، وهو اللباس أي لبسوا الألبسة الخلقة تذللا، والتفريق بين الأولاد والوالدات ليبكوا ويضجوا وكذا إخراج الحيوانات للعجيج ورفع الصوت فيكون وسيلة لرحمة الله، وأغامت بمعنى أطلعت الغيم، وقوله فحت تعليل للتفريق والعجيج الصياج. قوله:) بحيث لا يشذ (بالشين المعجمة والذال المعجمة، ويجوز ضم شينه وكسرها من الشذوذ أي ينفرد ويخرج ومن للعموم لكنها في غير النفي ليست نصاً فيه فلذا أكد بكلهم للتنصيص عليه وكذا جميعا ولا يمكن حمله على الاجتماع في زمان معين كما حمل عليه في غير هذا الموضع. قوله: (وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ أيمانهم أجمعين (المراد بالقدرية المعتزلة لقبهم أهل السنة به لاسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم وانكارهم القدر فيها وكما يصح نسبة مثبت القدر إليه يصح نسبة نافيه أيضاً إليه ولا مشاحة في الاصطلاج يعني أن الآية حجة عليهم في قولهم إرادة الله تتعلق بإيمان الكافر لكنها تخلف عنها المراد، ووجه الحجة أن لو تدل على أنه لو أراد إيمان من في الأرض لآمنوا وأن المشيئة والإرادة لا محالة تستلزم المراد وهم لما رأوها بحسب ظاهرها مبطلة لمذهبهم قيدوا المشيئة والإرادة بمشيئة القسر والإلجاء وهذا دأبهم في كل ما ورد عليهم من ذلك فالإرادة عندهم مطلقاً يجوز تخلفها عن المراد

الصفحة 60