كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

وما لا يتخلف نوع منها، وهو مشيئة القسر والالجاء لأنه تعالى قادر على الجائهم إلى ما أراد فإذا فعل ذلك لزم عدم التخلف ورذه المصنف رحمه الله بأنه خلاف الظاهر، ولا قرينة في الكلام عليه بل ما بعده صريح في رذه. قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} هذه الهمزة لصدارتها مقدمة من تأخير على الأصح لأن هذه الجملة متفرعة على ما قبلها وليس القصد إلى إنكار تفرعها، وأنت جوز فيه أن يكون مبتدأ وفاعل مقدر يفسره ما بعده لاقتضاء الاستفهام للفعل، والمراد بالناس من طبع عليهم أو الجميع مبالغة. قوله:) وترتيب ا! راه على المشيئة بالفاء الخ (هذا مبتدأ خبره قوله للدلالة الخ، وإيلاؤها معطوف على ترتيب وهو مصدر مضاف للمفعول، وفاعله حرف الاستفهام لا العكس لعدم دخول هذا الإيلاء في الاستحالة المذكورة حينئذ كذا قيل وفيه نظر، وقوله وتقديم الضمير أي تقديم الفاعل المعنوي على الفعل للتخصيص أي تخصيص إنكار الإكراه بالنبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقدم الإنكار في الاعتبار على
اعتبار الاختصاص اللازم من التقديم دون عكسه حتى يفيد إنكار الاختصاص، وكلا الاستعمالين واقع في الكلام البليغ بحسب اقتضاء المقام فيفيد ثبوت الاكراه لله تعالى أو لغيره، وفي شرح المفتاح للشريف قدس سره المقصود من قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} إنكار صدور الفعل من المخاطب لا إنكار كونه هو الفاعل مع تقرر أصل الفعل فالتقديم لتقوية حكم الإنكار لا للتخصيص كما ذهب إليه الزمخشري، وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل لذلك لأنه لم يصرح بالتخصيص الذي ذكره الزمخشري لكن ظاهره أنه موافق له. قوله: (للدلالة على أن خلاف المشيئة مسنحيل الخ) أي خلاف مشيئة الله تعالى وهو إيمان من لم تتعلق مشيئته بإيمانه بأن تعلقت بخلافه قيل ومراده بتقديم الضمير ما ذهب إليه السكاكي من التكلم به مقدّماً دون أن يكون مزالاً عن أصله، وهو أفتكره الناس أنت بدليل عدم تصريحه بالتخصيص فالمراد إنه لتقوّي الحكم، والانكار لانكار التقوّي فله دخل في الدلالة على الاستحالة أي استحالة ما أراد الله خلافه، ولذا قرّره بقوله وما كان لنفس الخ (قلت (مراد المصنف رحمه الله أن ترتب الانكار كما ذكره محصله لو شاء الله إيمانهم وقع فكيف تكرههم أنت على الإيمان الذي لم يرده فانكاره عليه الاكراه يقتضي أنه لا يكون بالاكراه فضلا عن غيره ولما فسر الزمخشري المشيئة بمشيئة الالجاء والقسر على مذهبه لزم إثبات الإكراه لله، وحيث نفاه عنه لزم من مجموع الأمرين الحصر فلك أن تقول المفيد للحصر ذلك لا التقديم وحده فلا يكون كلامه مخالف للسكاكي، والمصنف رحمه الله لما لم يفسره بذلك لم يذكر التخصيص فجعله لتقوية الانكار، والدلالة على أنه مستحيل فتدبره فإنه دقيق جذاً وقوله إذ روي يعني المراد هذا المعنى إذ روي الخ. قوله: (ولذلك قرّره بقوله وما كان لنفس الخ (أي لدلالته على ما ذكر كان هذا تقريراً له لأنه يدل على أنه لا يكون من ذلك إلا ما يريد على ما فسره به والأذن في اللغة الاطلاق في الفعل ورفع الحجر عنه، ويلزمه تسهيل ذلك، وارادته فلذا فسره الزمخشري بالتسهيل، والمصنف رحمه الله تعالى بالإرادة، وذكر معه معناه الحقيقي إشارة إلى إرادته مع لوازمه فلا يرد أنه جمع بين الحقيقة والمجاز مع أنّ المصنف رحمه الله شافعي يجوّزه، ولما كان إيمان العبد بإرادته أيضا لكسبه وهو مكلف به ضم إليه قوله، وتوفيقه فالحصر إضافي ثم ما كان إن كان بمعنى ما وجد منه ذلك احتاج إلى تقييد النفس بمن علم الله أنها تؤمن كما في الكشاف، وأن كان بمعنى ما صح لا يحتاج إليه، ولذا تركه المصنف رحمه
الله تعالى، وإنما فسره الزمخشري بما ذكر من التسهيل ومنح الألطاف لأن اللطف عنده خلق القدرة على الفعل حتى يخلق العبد لنفسه ضررا لاعتزاله. قوله: (العذاب أو الخذلان فإنه سببه) أصل الرجس القذر ثم نقل إلى العذاب لاشتراكهما في الاستكراه والتنفر ثم أطلق على سببه فهو مجاز في المرتبة الثانية فقول المصنف رحمه الله تعالى فإنه سببه راجع إلى التفسير الثاني الذي اقتصر عليه في الكشاف، ومنهم من فسره بالكفر كما في قوله: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة، الآية: 25 ا] لمقابلة الإيمان فتدل على خلق الكفر وهو مخالف لمذهب المعتزلة ولذا لم يفسره الزمخشري به واقتصر على الخذلان وقال الإمام الرجس عبارة عن الفاسد

الصفحة 61