كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

الخ) هذا ردّ لما في الكشاف من أن الآية دلت على أنّ الإيمان المعتبر في الهداية إلى الجنة هو المقيد بالعمل الصالح لا المطلق لأنه جعل الصلة مجموع الأمرين كأنه قال إنّ الذين جمعوا بين الإيمان، والعمل الصالح يهديهم ربهم، ثم قال بإيمانهم أي المقرون بالعمل فرأى بعضهم وتبعه المصنف رحمه الله أنه مبنيّ على الاعتزال، وخلود غير الصالح في النار ولا دلالة فيها على ما ذكره لأنه جعل سبب الهداية إلى الجنة مطلق الإيمان وأمّا أن إضافته إلى ضمير الصالحين تقتضي أخذ الصلاح قيداً في التسبب فممنوع فإنّ الضمير يعود على الذوات بقطع النظر عن الصفات، وأيضا فإن كون الصلة علة للخبر في نحو الذي يؤمن يدخل الجنة بطريق المفهوم فلا يعارض! السبب الصريح المنطوق، وليس كلى خبر عن الموصول يلزم فيه ذلك نحو الذي كان معنا أمس فعل كذا كما فصل في المعاني، وقد ردّ هذا بأنّ الجمع بين العمل الصالح والإيمان ظاهر في أنهما السبب والتصريح بسببية الإيمان المضاف إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالتنصيص على أنه ذلك الإيمان المقرون بما معه لا المطلق لكنه ذكر لأصالته وزيادة شرفه فلا استدراك، ولا دلالة على استقلاله، ثم إنّ النزاع إنما هو في سبب الهدأية إلى
طريق الجنة لا إلى الاستقامة على سلوك السبيل المؤدّي إلى الثواب وأنّ من لا يكون مهتديا إلى الجنة لا يدخل الجنة مطلقا، ومنعه مكابرة فتدبر. قوله: {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} أي من تحت منازلهم أو بين أيديهم، وقوله استئناف أي نحويّ أو بيانيّ فلا محل له من الإعراب، وقوله على المعنى الأخير لعدم المقارنة في الأوّلين وان صح أن يكون حالأ منتظرة لكنه خلاف الظاهر، وقوله خبر أي ثالث، وقوله أو حال أخرى منه أي من مفعول يهديهم فتكون حالاً مترادفة أو من الأنهار فهي متداخلة، وقوله أو بيهدي أي على الأخير. قوله: (أي دعاؤهم الخ) الدعوى مشهورة في الادّعاء لكنها وردت بمعنى الدعاء أيضا، وهو المراد هنا بقرينة ما بعده لأنه من جنس الدعاء وتكون أيضا بمعنى العبادة وقد جوّز إرادته هنا، وان كانت الجنة ليست دار تكليف أي لا عبادة لهم غير هذا القول والمراد نفي التكليف كقوله: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [سررة الأنفال، الآية: 35] والأوّل أظهر فلذا اختاره المصنف والثاني أدق أو المراد أنه عبادة لهم تلذذاً لا تكليفا. قوله: (اللهئم إنا نسبحك الخ) أشار به إلى أنّ سبحان مصدر بمعنى التسبيح، وعامله محذوف، وقدّرها اسمية وقدم اللهمّ مع أنه مؤخر بناء على أنّ النداء يقدم على الدعاء لكنه استعمل مع سبحانك كذلك أمّا جعلها اسمية فلأنه أبلغ بقرينة أن الجمل التي بعدها كذلك، وأفا التأخير فلأنّ التنزيه تخلية عن جميع النقائص، وفي النداء ربما يتوهم ترك الأدب. قوله: (ما يحى به بعضهم بعضاً الخ (اختلف في إضافة هدّا المصدر وهو تحية فقيل إنه مضاف لفاعله أي تحيتهم بتقدير مضاف أي تحية بعضهم بعضاً آخراً والبعض المقدر مفعول والفاعل محذوف وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما، وأما على كون المحيي الملائكة عليهم الصلاة والسلام فهو مضاف للمفعول لا غير وكذا إذا كان المحي هو الله سبحانه وتعالى كما في الكشاف، وستأتي الإشارة إليه في كلام المصنف رحمه الله، وقيل يجوز أن يكون مما أضيف فيه المصدر لفاعله ومفعوله معا إذا كان المعنى يحيي بعضهم بعضا كما قيل في قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 78] حيث أضيف لداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام وغيرهما وهما حاكمان ومعهما المحكوم عليهم قيل وهذا مبني على أنه هل يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أم لا فان قلنا نعم جاز ذلك لأنّ إضافة المصدر لفاعله حقيقة ولمفعوله مجاز، ومن منع ذلك أجاب بأنّ أقل الجمع اثنان فلذلك قال لحكمهم، وقد مرّ أنّ الخلاف في ذلك إذا كان المجاز لغويا وأفا إذا كان عقليا فلا خلاف في جوازه ونظير. ما قيل في حب الهرّة من الإيمان أن المراد أن تحب الهرّة أو تحبك الهرّة
وقيل المراد حث الهزة مطلقا سواء كان منها أو لها، وقيل لم يقصد بالإضافة إلى الفاعل والمفعول النظر إلى ذلك بل قطع النظر عنه، ومعناه التحية الكائنة فيما بينهم والضمير على كل حال للمؤمنين وعلى كل حال لا يخفى ما فيه، ولما رآه السفاقسيئ مشكلأ قال إنه مصدر مضان للمجموع لا على سبيل العمل فكان كما قيل:
ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر
قوله:) أي أن يقولوا ذلك الخ (فسره بالمصدر لأن المبتدأ آخر

الصفحة 8