كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 5)

المضاف إلى المصدر فيكون بعضاً منه فلا يقال إنه لا ضرورة لتأويله بالمصدر، والدعاء مقول لهم لا قول. قوله:) ولعل المعنى أئهم الخ) يعني أن لدعائهم أوّلاً وآخراً فأوّله سبحانك اللهمّ، وآخره الحمد دلّه رلمحت العالمين وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة ترقوا في معرفته تعالى، ومعرفة كنه ذاته غير ممكن فالغاية القصوى معرفة صفاته وهي إئا سلبية وتسمى بصفات الجلال وافا غيرها وتسمى بصفات اجمرام وبه فسر قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [سورة الرحمن، الآية: 78] والأولى متقدمة على الثانية فلذا قدم قوله سبحانك، وأخر النداء أيضاً مع تقدمه في نحوه إشارة إلى ترقيهم في معرفة صفات الجلال، ثم قيل الحمد لله إشارة إلى ترقيهم في صفات الإكرام، وقوله أو الله تعالى إشارة إلى الوجه الآخر، وهو أن يكون تحية مضافا للمفعول والفاعل هو الله كما صرّج به الزمخشري فيما تقدّم وهو المذكور في قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [سورة يس، الآية: 58] . قوله:) وأن هي المخففة من الثقيلة الخ) واسمها ضمير الشان محذوف، والجملة الاسمية خبرها وأن ومعمولاها خبر المبتدأ وليست مفسرة لفقد شرطها ولا زائدة كما قيل وقراءة مجاهد وقتادة ويعقوب وغيرهم بتشديدها ونصب الحمد تدذ على ذلك وعذى يسرع بنفسه حملا له على يعجل. قوله:) وضع موضع تعجيله الخ (قال سيبويه التقدير لو يعجل الله للناس الشرّ تعجيلا مثل تعجيلهم الخير، ثم حذف تعجيلا وأقيمت صفته مقامه ثم حذفت الصفة وأقيم ما أضيفت إليه مقامها كاسأل القرية انتهى، وفي الكشاف وضحع استعجالهم
بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم، واسعافه بطلبتهم حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل لهم والمراد أهل مكة، وقولهم فأمطر علينا حجارة من السماء، وفي الانتصاف هذا من تنبيهاته الحسنة الدالة على دقة نظره إذ لا يكاد يوضع مصدر مؤكد مقارنا لغير فعله في الكتاب العزيز بدون هذه الفائدة الجليلة والنحاة يقولون فيه أجري المصدر على فعل مقدر دل عليه المذكور، ولا يزيدون عليه وإذا راجع الفطن قريحته وناجى فكرته علم أنه إنما قرن بغير فعله لفائدة ففي قوله: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17] التنبيه على نفوذ القدرة في المقدور وسرعة إمضاء حكمها حتى كان إنبات الله لهم نفس نباتهم أي إذا وجد الإنبات وجد النبات حتماً حتى كان أحدهما عين الآخر فقرن به، وقال المدقق في الكشف أنه إشعار بسرعة إجابته لهم حتى كأنّ استعجالهم بالخير عين تعجيله لا يتأخر عنه، وهذا كما قيل في قوله فانفجرت أنه دالّ على سرعة الامتثال كأنّ الانفجار ترتب على نفس الأمر فما قيل أنّ مدلول عجل غير مدلول استعجل لأن عجل يدلّ على الوقوع، واستعجل على طلب التعجيل وذلك واقع من الله، وهذا مضاف إليهم فلا يصح ما ذكر بل لا بدّ أن يقدر تعجيلاً مثل استعجالهم أي ولو يعجل الله للناس الشرّ إذا استعجلوه استعجالهم بالخير من قلة التدبر وكذا دفعه بأنّ استفعل ليس للطلب بل هو كاستقرّ بمعنى أقرّ، وقد علم من كلام المصنف رحمه الله تعالى دفع ما توهموه لأنه لا بد فيه من تقدير ولكن طيه لدلالة المذكور عليه حتى كأنه مذكور بذكره إفادة النكتة المذكورة ولذا عده في البيان من إيجاز الحذف وشبهه المدقق بالفاء الفصيحة حتى أنه لو سمى المصدر الفصيح حسن ذلك وقد أطال بعضهم هنا بغير طائل مما رأينا تركه خيراً منه فقول المصنف رحمه الله تعالى وضع أي حل محله بعد حذفه، وقوله في الخير لأنه مشبه به فهو ثابت بخلاف تعجيل الشرّ فإنه في حيز لو منفيّ وقوله: (المراد شرّ استعجلوه) يؤخذ مما سيقدره وبقية كلامه ظاهر إلا أنه قيل لو طرج قوله تعجيله للخير من البين كان أولى، وقوله لأميتوا وهلكوا لأنّ معنى قضى إليه أجله أنهى إليه مذته التي قدر فيها موته فهلك، وعلى قراءة قضينا الضمير فيه لله أيضا وفيه التفات. قوله: (عطف على فعل محذوف الخ) يعني أنه لا يصح عطفه على شرط لو ولا على جوابها لانتفائه، وهذا مقصود إثباته لا نفيه فلذا ذهبوا فيه إلى طرق منها أنه معطوف على مجموع الشرطية لأنها في معنى لا يعجل لهم، وفي قوّته فكأنه قيل لا نعجل بل نذرهم، ومنها أنه معطوف على مقدر تدل عليه الشرطية أي ولكن نمهلهم أو لا تعجل كما قدره المصنف رحمه الله، وقيل الجملة مستأنفة والتقدير فنحن نذرهم، وقيل إنّ الفاء جواب شرط مقدر، والمعنى، ولو يعجل الله ما استعجلوه لأبادهم، ولكن يمهلهم ليزيدوا في طغيانهم ثم يستأصلهم

الصفحة 9