كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

كان ذلك تنبيهاً على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته توجب كل بلية وغرامة لا جرم قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [سورة الإسراء، الآية: 9] ثم عطف عليه {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [سورة الإسراء، الآية: 12، الخ بجامع دليلي العقل والسمع أو نعمتي الدين والدنيا، وأما اتصال قوله: ويلأع الإنسان بالشر الخ فهو أنه تعالى لما وصف القرآن حتى بلغ به الدرجة القصوى في الهداية أتى بذكر من أفرط في كفران هذا النعمة العظمى قائلا اللهمّ إن كان هذا هو الحق الخ فظهر أنّ هذا الوجه كما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو المذهب. قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} قال المعرب: الجعل بمعنى التصيير متعد لاثنين، أو بمعنى الخلق متعد لواحد وآيتين حال مقدرة واستشكل الأوّل بأنه يستدعي أن يكون الليل والنهار موجودين على حالة ثم انتقلا عنها إلى أخرى وليس كذلك ويدفع بأنه من باب ضيق فم الركية وهو مجاز معروف، وقوله: تدلان على القادر الحكيم الدلالة من نفس الآية لأنها العلامة الدالة على شيء وهما دليلان بتغيرهما على وجود فاعل مختار قادر لما في ذلك من القدرة الباهرة، حكيم لما فيه من الحكمة الظاهرة ويستلزم هذا وحدته أيضا. قوله: (بتعافبهما على نسق واحد (فالتعاقب دليل القدرة والنسق الواحد دليلى الحكمة فلذا قيده بقوله: بامكان غيره، والضمير للتعاقب أو للنسق والباء فيه للمصاحبة وفي قوله: بتعاقبهما للسببية فلا محذور في تعلقهما بالدلالة مع اختلاف معناهما، ومن أرجع ضمير غيره للقادر الحكيم وإن استبعد جعل باءه للسببية أيضاً كأنه أبدله من الظرف الأوّل لأن تعاقبهما يشتمل على الحدوث والإمكان المقتضي للاستناد إلى واجب الوجود فلا محذور فيه فافهم، ولبعض الناس هنا خبط تركناه خوت الملل. قوله: (أي الآية التي هي الليل بالإشراق (الجاز والمجرور متعلق بمحونا فمحوه إزالة ظلمته بالضوء، وعدل عما في الكشاف وغيره من تفسيره بجعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلماً لا يستبين فيه شيء كما لا يستبين ما في اللوح الممحوّ فقيل في وجهه أن المحو إزالة الشيء الثابت وليس فيما ذكره الكشات ذلك فلا وجه للعدول عن الحقيقة بلا ضرورة ثمّ تعقب بأنه يكفي ما بعده قرينة على تلك الإرادة فإن محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً وعلى ما ذكر المصنف رحمه الله قد لا يتعلق بمحو الليل فائدة زائدة على ما بعده وقيل عليه أن الظلمة هي الأصل والنور طارىء فيكون الليل مخلوقاً مطموس الضوء مفروغ عنه فالمراد بيان أنه تعالى خلق الزمان ليلاً مظلما ثم جعل بعضه نهاراً بإحداث الإشراق لفائدة ذكرها وكون محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً لا يوجب حمله على المجاز لفائدة بيان إبقاء بعض الزمان على إطلاقه وجعل بعضه مضيئا ولا يخفى ما فيه من التكلف، وأن المقام لا يلائمه فإن السياق لتفصيل الآيتين وعلى هذا المصرج به إحداهما فتاقل، وقوله: والإضافة فيها للتبيين أي على هذا الإضافة بيانية على تقدير من لصحة الحمل فيها بخلافها على الوجه الآتي وإضافة العدد كأربع نسوة مثلا وهي بيانية
أيضا. قوله: (مضيئة) فهو مجاز بعلاقة السببية أو هو من الإسناد المجازي كقولك: نهاره صائم أي مبصر من هو فيه أو هو للنسب أي ذات أبصار، وقوله أو مبصرة للناس يعني أنه من أبصره المتعذي من بصر فأبصره غيره أي جعله مبصمراً ناظراً والإسناد إلى النهار مجازي من الإسناد إلى سببه العادي والفاعل الحقيقي هو الله، وقوله: أو مبصراً أهله برفعه وهو مروي عن أبي عبيدة من باب أفعل المراد به غير من أسند إليه كأضعف الرجل إذا ضعفت ماشيته وأجبن من الجبن ضد الشجاعة إذا كان قومه جبناء بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وبالنون والمد جمع جبان، فأبصرت الآية بمعنى صار أهلها بصراء وهو معنى وضعي لا مجازي. قوله: (وقيل الآيتان القمر والشمس (فالإضافة لامية ويحتاج حينئذ في قوله: وجعلنا الليل والنهار إلى تقدير مضاف في الأوّل أو الثاني كما ذكره المصنف رحمه الله إن جعلناه متعديا إلى مفعولين والليل والنهار هو المفعول الأوّل وآيتين الثاني فإن عكس كما في البحر وجعل الليل والنهار منه وبين على الظرفية في موضمع المفعول الثاني أي جعلنا في الليل والنهار آيتين وهما النيران لا يحتاج إلى تقدير كما إذا كان متعذيا لواحد بمعنى خلقنا والليل والنهار منصوبان على الظرفية كما جوّزه المعربون. قوله: (ومحو آية الليل التي هي القمر الخ (فمعنى محوها

الصفحة 13