كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

خلقها كمدة غير مشرقة بالذات لأن ضوءها مكتسب من الشمس على ما ذكره أهل الهيئة فالمحو ليس بمعنى إزالة ما ثبت بل خلقها كذلك كما مر عن الزمخشري، وعلى الثاني هو على ظاهره لأنه تنقيص نورها المكتسب شيئا فشيئا حتى يزول في آخر الشهر والنقص المذكور بحسب الرؤية والإحساس واذ ما قابل الشمس مضيء دائماً، وقوله: إلى المحاق أي إلى أن ينمحق ضوءه ويذهب لقيبته في آخر الشهر والمحاق يطلق على ثلاث ليال من آخره ات لك، وقوله: تبصر الأشياء بضوئها إشارة إلى أنّ فيه إسناداً مجازيا إلى السبب العادي أو تجوّزاً بعلاقة السبب كما مر. قوله: (لتطلبوا في بياض الئهار (يعني أن معنى الابتغاء الطلب وقوله: لتبتغوا متعلق بقوله: وجعلنا آية النهار مبصرة، وفيه مقدر أي لتبتغوا فيه ليرتبط معنى به، وقوله: بياض النهار فيه تسمح استعملته العرب أي في النهار الأبيض ووصفه باللون تجوز أيضاً، والمعاش مصدر ميميئ وضمير به لبياض النهار واستبانة الأعمال ظهور ما يفعل فيه، وقوله: باختلافهما أي تعاقبهما على نسق راجع إلى المعنى الأوّل وهو أن الآيتين نفس الليل والنهار، وقوله: أو بحركاتهما راجع إلى الثاني وهو أنهما النيران، قيل: والظاهر المناسب أن يقال: المراد لتعلموا بالليل فإن
عدد السنين الشرعية والحساب الشرعي يعلم به غالباً أو بالقمر لقوله تعالى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سورة البقرة، الاية: 189] أو المراد باختلافهما اختلافهما مع ما فيهما من النيرين كما قيل وهذا مع كونه خلطا لأحد القولين بالآخر مما لا حاجة إليه فإن السنين شمسية وقمرية وبكل منهما العمل فلو قيل أن هذه مبينة لأحدهما وتلك للآخر لا محذور فيه وكون الشرع معوّلاً على أحدهما لا يضرنا. قوله: (وجنس الحساب) أي الحساب الجاري في المعاملات كالإجارات والبيوع المؤجلة وغير ذلك، وقيل: المراد به الحساب للشهور والأيام والساعات، وقوله تفتقرون تخصيص له ليخرج ما استأثر الله به ونحوه، وفي نصب كل وجهان: أحدهما أنه منصوب عيى الاشتغال ورجح نصبه لتقدم جملة فعلية وكذا وكل إنسان ألزمناه، والثاني أنه معطوف على الحساب وجملة فصلناه صفة شيء وهو بعيد معنى. قوله: (بيناه بيانا غير ملتبس) بيان لمعتى التفصيل لأنه من الفصل بمعهنى القطع فهو يقتضي الإبانة التافة فتأكيده بالمضدر يفيد ما ذكره وليس هذا إشارة إلى أنه مصدر نوعي كما توهم. قوله: (عمله وما قدّر له كأنه طير إليه من فش الغيب ووكر القدر) إشارة إلى ما ذكره الزمخشري في سورة النمل من أنهم كانوا يتفاءلون بالطير ويسمونه زجرا فإذا سافروا ومرّ بهم طير زجروه فإن مرّ بهم سانحا تيمنوا وان مرّ بارحا تشاءموا ولذا سمي تطيرا، والسانح والبارج مفصل في كتب اللغة والأدب فلما نسبوا الخير والشز إلى الطائر استعير استعارة تصريحية لما يشبههما من قدر الله وعمل العبد لأنه سبب للخير والشرّ ومنه طائراً لله لا طائرك أي قدر الله الغالب الذي ينسب إليه الخير والشر لا طائرك الذي تتشاءم به وتتيمن، وفي كلامه ما يشعر بأن فيه استعارة تصريحية كالمكنية التي يلزمها التخييلية بتشبيه الغيب والقضاء والقدر بوكر وعش وهو مقر الطائر الذي يختفي فيه ولا يخفى ما فيه من اللطف. قوله: (لما كانوا يتيمنون الخ) قد مرّ تقريره بما يغني عن الإعادة، والسنوح المرور من جهة اليسار إلى اليمين والبروح عكسه ومنه السانح والبارح، وللعرب فيه مذهبان أشهرهما هذا، والثاني عكسه وقلت في الأمثال السسماة بالسانح والبارج:
كم سانح وبارح من الغير لغافل يطيرمن وكرالقدر ...
وقوله: من قدر الله تعالى، وعمل العبد بيان لما الموصولة فإن كان قدر الله بمعنى مقدره
فلا إشكال فيه بأنه مخالف لتفسيره الطائر بما قدره الله، وان أبقى على ظاهره فهو بيان لما يستعار للعمل لأنه سبب الخير والشر كما يستعار للقدر لأنه السبب الأصلي أو سبب السبب وهو سبب واما استعارته للاعتقاد الفاسد في قوله: طائركم معكهم فهو راجع إلى العمل وملحق به إذ هو عمل قلبي وان تبادر من العمل- عمل الجوإرح وكون من تعليلية يأباه عطف العمل عليه إذ الظاهر أنه في كلامه أولاً وآخراً بمعنى واحد فتأويله يكسب العبد هنا خلاف الظاهر. قوله:
(لزوم الطوق في عتقه) الظاهر أن يقول: كما في الكشاف القلادة أو الغل

الصفحة 14