كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

لأنه كما في الكشف إشارة إلى وجه تخصيص العنق لظهور ما عليه من زائن، كالقلادة والطوق أو شائن كالغل ولأنه العضو الذي يبقى مكشوفا وينسب إليه التقدم والشرف ويعبر به عن الجملة وسيد القوم فهو لشبيه للعملى اللازم لصاحبه خيراً أو شراً لا للزوم الذي في ضمن الإلزام بالطوق أو الغل في اللزوم والظهور الشائن أو الزائن فتأمّل.
قوله: (أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله) فكتابه عبارة عن نفسه وصور الأعمال المتمثلة فيها كالكتابة ونشره وقراءته عبارة عن ظهوره له ولغيره وهذا منزع صوفي حكمي بعيد من الظهور قريب من البطون ولذا قيل في بيانه إن ما يصدر عن الإنسان خيراً أو شرّا يحصل منه في الروج أثر مخصوص وهو خفيّ ما دامت متعلقة بالبدن مشتغلة بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقته قامت قيامته لانكشاف الغطاء باتصالها بالعالم العلوي فيظهر في لوح النفس كل ما عمله في عمره وهو معنى الكتابة والقراءة وليس في هذا ما يخالف النقل، وقد حمل عليه ما روي عن قتادة رحمه الله من أنه يقرأ في ذلك اليوم من لم يكن قارئا ولا وجه لعده مؤيداً له، والقيامة على هذا الوجه القيامة الصغرى. قوله: (فإن الأفعال الاختيارية الخ) تعليل وبيان لانتقاس النفس بالآثار أي حصول كيفية لها من عملها وتلك الكيفية قبل رسوخها فيها تسمى حالاً وبعده تسمى ملكة عندهم، وهي قد تحدث عن كثرة العمل وتكرّره فشبه تلك الصور بنقوس الكتابة. قوله: (وهو ضمير الطائر) وفي نسخة هو بدون واو أي المفعول المحذوف هو ضمير عائد إلى طائره تقديره يخرجه له حال كونه كتابا. قوله: (ويعضده قراءة يعقوب) أي يعضد كونه حالاً فإن الأصل توافق القراءتين فإنه قرأه مبنيا للفاعل من خرج يخرج وفاعله ضمير الطائر وغيره وهو أبو جعفر بن القعقاع قرأه مجهولاً ففيه ضمير مستتر هو ضمير الطائر وقد كان مفعولاً، فإن قلت هذه القراءة يحتمل أن يكون له فيها نائب الفاعل فلا تعضده، قلت إقامة غير المفعول مع وجوده مقامه ضعيفه، وليس ثمة ما يكون حالاً منه فتعين ما ذكره كما قاله ابن يعيش في شرح المفصل، وقوله: وغيره بالجرّ معطوف على يعقوب، ويخرج بصيغة المجهول من الأفعال ووقع في نسخة إسقاط لفظ غيره بعطف يخرج مراداً به لفظه على يعقوب على قوله يخرج والنسخة الأولى أشهر وأظهر ولا إشكال فيها، وقوله وقرىء ويخرج أي بالغيبة على الالتفات. قوله: (لكشف الغطاء (هو ظاهر في المعنى الثاني للكتاب والظاهر أنه اختاره
لانطباقه على الوجهين ولو فسره بكونه غير مطوفي كان على الأوّل فقط، وقراءة ابن عامر من التفعيل كقوله: وما يلقاها إلا الصابرون عليهما أي يلقى إليه من جانب الله، وعلى كونهما صفتين فيه تقدم الوصف بالجملة على الوصف المفرد وهو خلاف الظاهر، والقول: المضمر قبل اقرأ تقديره يقال: اقرأ وهذه الجملة إما صفة أو حال كالتي قبلها كما ذكره المعرب أو مستأنفة وجملة: كفى بنفسك الظاهر أنها من مقول القول المقدر أيضا. قوله: (أي كفى نفسك (يعني أن كفى فعل ماض فاعله نفسك والياء زائدة كما في بحسبك درهم وذكر وإن كان مثله يؤنث كقوله: ما آمنت قبلهم من قرية لأن تأنيثه مجازي والقول بأنه اسم فعل أو فاعله ضمير الاكتفاء غير مرضي كما مر وقوله: وحسيباً تمييز كقوله: حسن أولئك رفيقاً ودلّه دره فارساً وقيل إنه حال وعذه بعض شراح الكشاف تجريد أي جرد من نفسك شاهدا هو هي فقيل إنه غلط فاحش وفيه بحث فإن الشاهد يغاير المشهود عليه فإن اعتبر كونه في تلك الحالة كأنه شخص آخر كان تجريدا لكنه لا يتعلق به هنا غرض فتدبر. قوله: (وعلى صلته لأنه الخ (قدم لرعاية الفواصل وعدى بعلى لأنه بمعنى الحاسب والعاذ وهو يتعدى بعلى، كما تقول: عدد عليه قبائحه واستشهد بضريب وصريم لأن مجيء فعيل الصفة من فعل يفعل بكسر العين في المضارع قليل، والصارم القاطع والهاجر. قوله: (أو بمعنى الكافي الخ (يعني أنه تجوز به عن معنى الشهيد فعدى بعلى كما يعدى بها الشهيد، وقوله لأنه يكفي الخ، بيان لعلاقة المجاز وأما كونه بمعنى الكافي من غير تجوّز لكنه عدى تعدية الشهيد للزوم معناه له كما في أسد عليّ فتكلف بارد. قوله: (وتذكيره (أي حسيباً وهو فعيل بمعنى فاعل لأنه مما يغلب في الرجال فأجرى على أغلب أحواله أو النفس مؤؤلة بالشخص، أو محمول على فعيل بمعنى مفعول، وقوله على أن الحساب

الصفحة 15