كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

بعضهم فتأمّل. قوله: (أو دنا وقته المقدّر كقولهم إذا اراد المريض الخ) على هذا اقتصر في الكشاف وهو مبني على أصولهم كما في الكشف وعلى نهج قوله: جدارا يريد أن ينقض كما سيأتي تحقيقه فهو مجاز للتنبيه على عاقبة أمرهم فيجري مجرى قولهم: إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جهة وجاءه الخسران من كل طريق وقولهم: إذا أراد العليل أن يموت خلط في أكله وشرع في أكل ما تتوق إليه نفسه لما كان المعلوم من حال هذا الخسران ومن حال هذا الهلاك حسن هذا الكلام كما في الدرر الشريفة يعني أق دلالة أمر على وقوع شيء عقبه ينزل منزلة الإرادة لذلك الشيء لما بينهما من اللزوم أو المشابهة فتدبر، وقوله: قوم إشارة إلى أنّ المراد بقرية أهلها. قوله: (أمرنا مترفيها متنعميها بالطاعة (لما كان المتبادر منه أن التقدير أمرناهم بالفسق كقوله: أمرته فقام إذ تقديره أمرته بالقيام كما سيأتي تحقيقه وهو غير صحيح لأن الله لا يأمر بالفحشاء إلا بارتكاب التأويل الآتي قدر له هذا المتعلق ولم يلتفت إلى رذه الآتي لأنه مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير كما نقله المفسرون وقوله: متنعميها بصيغة الجمع المضافة وقوله: على لسان رسول بيان للواقع المقدر بقرينة قوله: تحى نبعث رسولاً. قوله: (ويدل على ذلك ما قبله وما بعده الخ (ردّ على الزمخشري كما سيأتي تفصيله مقتدياً بالإمام فيه يعني أن ما زعمه من أنه لا دليل على تقدير ما ذكر ممنوع بل الدليل عليه ظاهر فإن فسق وعصى متقاربان بحسب اللغة وإن خص في الشرع بمعصية خاصة، وذكر الضد يدل على الضد، كما أنّ النظير يدل على نظيره فذكر الفسق والمعصية دال على تقدير الطاعة كما في قوله: سرابيل تقيكم الحرّ فيكون كقوله أمرته فأساء إليّ أي أمرته بالإحسان بقرينة المقابلة بينهما المقتضية بالعقل الدال على أنه لا يؤمر بالإساءة كما لا يؤمر بالفسق والنقل أنّ الله لا يأمر بالفحشاء والتعجب من جعل المصنف ما ذكر دليلا على تقديره مع أنّ الزمخشري جعله دليلاً على خلافه مما يتعجب منه ثم إنّ المدقق في الكشف رد ما ذكره المصنف رحمه الله كغيره بأن الزمخشري لم يمنع هذا التقدير من هذا المسلك بل المانع عنده أنّ تخصيص المترفين حينئذ يبقى غير بين الوجه وكذلك التقييد بزمان إرادة الإهلاك ولظهوره لم يتعرض له، وأيضاً شهرة الفسق في أحد معنييه تمنع من عده مقابلاً بمعنى العصيان على أنّ
ما ذكر من نبوّ المقام عن الإطلاق قائم في التقييد بالطاعة، فافهم ولا تغتر بما أثره الإمام وشنع بأنه لا فرق بين أمرته ففسق وأمرته فعصاني، وأيده غيره بأنّ الفسق الخروج عن الأمر فذلك من عدم تدبر ما أورده جار الله على ما يجب انتهى يعني أن الى، مر بالطاعة واقع من الله في كل زمان ولكل أحد فلا وجه للتقييد حينئذ وأن هذا هو الداعي لاختيار الزمخشري ما ذكر ولما ورد عليه أنه ليس في كلامه ما يدل عليه تلافاه بأنه تركه لظهوره ولا يخفى أنه قول بسلامة الأمير ونظر بعين الرضا إذا أدخل في الكلام ما ليس فيه، وأما التقييد المذكور فظاهر لأنهم أئمة الكفر ورؤساء الضلال وما وقع من سواهم باتباعهم ولو لم يلاحظ هذا لم يكن للتقييد وجه في سائر الوجوه فتدبر. قوله: (وقيل أمرناهم الخ (هذا ما ارتضاه الزمخشري وملخصه أن المراد أمرناهم ففعلوا، والأمر مجاز لأن حقيقته أن يقول لهم: افسقوا وهو لا يتأتى لما مر فالوجه أنه أفاض النعم عليهم ليشكروا فعكسوا ذلك وجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة له فلما آثروا الفسوق أهلكهم، وهذا هو الوجه لأنّ المستفيض حذف ما يدل عليه، ونظيره لو شاء لأحسن إليك أي لو شاء الإحسان فلو أضمرت خلافه لم تكن على سداد، وكأنك تروم من مخاطبك علم الغيب فهو إفا استعارة تمثيلية أو تصريحية تبعية لا مجاز مرسل كما يوهمه لفظ التسبب، فافهم. قوله: (على أنّ الأمر مجارّ من الحمل عليه أو التسبب له (متعلق بقوله قيل الخ ومن متعلقه بمقدر أي ناشىء من الحمل لأنه وجه الشبه فإنه شبه إفاضة النعم وصبها على أهل الأهواء بأمرهم بالفسق والجامع مع ما ذكر أو شبه حالهم في تقلبهم في النعم مع عصيانهم وبطرهم بحال من أمر بفساد فبادر إليه، هذا ما في شروح الكشاف فقوله: بأن بيان للمستعار له، فما قيل

الصفحة 17