كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

من أنّ الأولى إبدال من بفي فيكون الأمر مستعملاً في معنى الحمل والتسبب مجازاً مرسلا وصحة كلام المصنف بأن يراد بالحمل والتسبب الصب فإنه حمل وتسبب مخصوص ويجعل الأمر مستعملاً في الصب وما أفضى إلى الفسق فعلاقته المشابهة في الحمل والتسبب فالتعبير عن الصبّ بالحمل والتسبب للإشارة إلى وجه الشبه على أنه استعارة تبعية تعسف من غير داع وتطويل من غير طائل، وقيل: أمرنا استعارة لحملنا وتسببنا لاشتراكهما في الافضاء إلى الشيء، وقوله: بأن صب الخ بيان للحامل من جانبه تعالى، وكونه استعارة للصب وان صح ليس بمراد فيه، وفيه ما فيه فتدبر. قوله: (ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي الخ (يعني أنه ينزل منزلة اللازم كما في المثال المذكور لأن القرينة قائمة على أنه ليس بتقدير أمرته بالعصيان ولا قرينة على تقدير شيء آخر، ودلالة الضد على ضده خفية فلا يقدر بالطاعة فيكون المعنى وجهنا الأمر فوجد منه العصيان أو
الفسق، وقد نفى جار الله هذا الاحتمال وذكر أن ما نحن فيه ليس كما ذكر في المثال والمصنف رحمه الله لم يلتفت إلى رذه تبعا للإمام وقد ضعفه في الكشاف فإن أردت التفصيل فراجعه وقد مرّت زبدته. قوله: (وقيل معناه كثرنا الخ) أمرت بفتح الميم وأمر بكسرها مطاوعه لازم والأوّل متعدّ فيختلف لزومه وتعديه باختلاف حركته، وقد قيل إنّ المكسور يكون متعدّيا وأنه قرىء به، وقوله: آمرنا بالمد يعني أنه يتعدى بنفسه وبالهمزة أيضاً، وأصله أمرنا فأبدل منه وهذا ذهب إليه أبو عبيدة والفارسي وغيرهما، واستدلوا بالحديث الآتي، وقوله: خير المال الخ هو حديث صحيح ذكر المخرّج سنده والسكة النخل المصفوف ومأبورة بالباء الموحذة والراء المهملة من تأبر النخل تلقح وتثمر وهو معروف، والمهرة أنثى الخيل ومأمورة بمعنى كثيرة الحمل والنتاج ومعناه خير المال زرع أو نتاج. قوله: (وهو أيضا مجاز من معنى الطلب (أي هو في الحديث مجاز كما في الآية كان الله تعالى قال لها: (كوني كثيرة النتاج فكانت) فهي إذا مأمورة غير منهية، وهذا من فائق اللغة بعينه، ومثله معنى ما قيل:
ومهفهف قال الإله لحسنه كن فتنة للعالمين فكانه ...
فلا يتم الاستدلال بالحديث كما ذكروه وقيل أصله مؤمرة فعدل عنه للمشاكلة كما في مأزورات غير مأجورات. قوله: (ويؤيده) أي يؤيد القول بأنه من أمر بمعنى: كثر قراءة يعقوب رحمه الله آمرنا بالمذ من الأفعال وما روي عن أبي عمر ومن قراءة أمرنا بالتضعيف فإنه ليس من الأمر ضد النهي فيكون من أمر بمعنى كثر فهو يدل على وجوده لو لم يحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم إذا صار أميراً لأنه معروف فيه، وفعل المضموم مخصوص بهذا المعنى بخلاف غيره من المعاني فلذا قيده به ليتعين فلا يرد عليه أنه مثلث كما في كتب اللغة فلا وجه لتقييده مع أن شهرته تكفي فيه، وضمه لالحاقه بالسجايا، وقوله: وتخصيص المترفين الخ دفع للسؤال الذي مرّ تقريره في الكشف. قوله: (يعني كلمة العذاب السابقة) بالتأنيث كما في بعض النسخ وفي بعضها السابق بدون تاء على أنه صفة الكلمة لتأويلها بالقول، وقوله: بحلوله الضمير للعذاب والباء للملابسة أو السببية متعلقة بحق، وكذا هي فيما عطف عليه والكلمة هنا
بمعنى الكلام وهو الوعيد السابق والفاء للتعقيب. قوله: (بإهلاك أهلها (إشارة إلى التقدير أو بيان المراد من التدمير، وهو الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء كما في البحر. قوله: (وكثيراً الخ) إشارة إلى أن كم خبرية، وقوله: وتمييز له أي مجرور بمن البيانية لا زائدة فقوله: من بعد نوج من فيه لابتداء الغاية فلذا جاز اتحادها مع ما قبلها متعلقا وخصه بالذكر ولم يقل من بعد آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أوّل رسول أذاه قومه فاستأصلهم العذاب، ففيه تهديد وانذار للمشركين، وقوله: يدرك الخ تفسير لهما على اللف والنشر المرتب. قوله: (وتقديم الخبير (أي لفظاً على بصير التقدم متعلقه وهو المعلوم منه تقدما وجوديا على الأمر الظاهري لأنه ينشأ عنه غالبا، وقيل إنه تقدم رتبي لأنّ العبرة به، كما في الحديث أنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ونحوه، ثم إنه قال في الكشاف إذ نبه بقوله:

الصفحة 18