كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

مرّة بعد أخرى (فسره به لأنه يشعر بالتكرار كما مد الماء ونحوه، قال تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [سورة لقمان، الآية: 27] وقوله: ونجعل آنفة مدد السالفة إن كان آنفة بتاء الوحدة منونا فمددا منون ولسالفة بلام الجر وتاء الوحدة أيضا، وإن كان مضافا لضمير العطاء الغالب فلسالفه، ذلك والسالف ما سبق منه والآنف بالمد ما استؤنف مرة بعد مرّة أخرى، وقوله: من معطاه إشارة إلى أنّ العطاء اسم مصدر واقع موقع المفعول وقوله: ممنوعا لأنه من الحظر بمعنى المنع من الحظيرة، وقوله: في الرزق قيده به لدلالة السياق أو المراد به اللغوي فيتناول الشرف ونحوه كما يقال: السعادة أرزاق أو هو تمثيل.
قوله: (بدل من كلا (أي بدل كل من كل لكنه قدره فيما مضى بكل واحد من الفريقين
تبعا للزمخشري فورد عليه ما أورده عليه أبو حيان والمعربون وتبعهم المحشي من أنه لا يصح على هذا التقدير لأنه يكون بدل كل من بعض كقوله:
رحم الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات 0..
وهو مردود كما بين في النحو فالظاهر أن يقدر كل الفريقين ومن لم يفهم مراده قال في تقريره: أي نمذ هذا الفريق وذاك الفريق لا كل فرد منهما ولذا قال: كل واحد دون أحد وفرد، والعجب من أبي حيان أنه خالف النحاة في أن كلا إذا أضيفت إلى نكرة قد ترد للكل المجموعي لا بمعنى: كل فرد فرد مستدلاً بقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثرّة فتركن كل حديقة كالدرهم ...
وعليه قول الأصوليين كل رجل يشيل الصخرة العظمية وإن نازعه السبكي فيه في رسالة
كل وعلى ما ذكر لا يرد عليه شيء عند النظر الصحيح وكأنه أشار إليه بقوله: الأولى فتأمّل. قوده:) وانتصاب كبف الخ (أي أنها في محل نصب لأنها مبنية على الفتح قال نجم: الأئمة
إنما عد كيف في الظروف لأنه بمعنى على أي حال والجار والمجرور والظرف متقاربان، وكون كيف ظرفا مذهب الأخفش، وعند سيبويه هو اسم بدليل إبدال الاسم منه نحو كيف أنت أصحيح أم سقيم ولو كان ظرفا لأبدل منه الظرف نحو متى جئت أيوم الخميس أم يوم الجمعة فإن جاء بعد كيف ما يستغنى به فكيف منصوب المحل على الحال فتأمّل، وناصبه ما بعده من الفعل وليس مضافاً للجملة كما توهم والجملة بتمامها في محل نصب بقوله: انظر وهو معلق هنا كما بين في محله، والمعنى انظر إلى هذه الكيفية العجيبة. قوله تعالى: {أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} درجات وتفضيلاً منصوبان على التمييز والمفضل عليه محذوف تقديره من درجات الدنيا وتفضيلها وقوله: بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها عمم الدرجات ليشمل الدركات فللتفضيل بمعنى التفاوت فاعتبر التفاوت بين أهل الجنة والنار وبين أبعاض الفريقين. قوله: (الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) إنما جعل المراد به أقته على حذ قوله:
إياك أعني وسمعي يا جاره
أو المراد به العموم على حذ قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار وهو معنى ما قيل إن الخطاب للإنسان لأن ما بعده ليس مما يصف به نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم ولو على طريق الفرض والتقدير. قوله: (فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة (شحذ بمعنى سن وحدد والشفرة السكين الكبيرة وكل نصل عريض وقعد بمعنى صار ويلحق به في العمل، قال الرضي: من الملحقات بصار قعد في قول إعرابي: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت وقال: إنما تعمل قعد هذا العمل في هذا المثل فلا يقال قعد كاتبا لكونه مثله ولذا قيل: إن تفسيره بتصير هنا غير جيد وهذا غير مسلم لأن الفراء ذهب إلى إطراد قعد بمعنى صار، ومنه قول الراجز:
من دون أن تلتقي الأركاب ويقعد الاير له لعاب ...
وحكى الكسائي قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها فما ذكر مبنيئ على قول الفراء: وعلى قول الأصحاب: مذموما مخذولاً حال، وعلى قول الزمخشري خبر يقعد. قوله: (أو فتعجز من قولهم قعد الخ) بمعنى العاجز عن القيام ثم تجوّز به عن مطلق العجز، وقيل القعود كناية عن العجز فإن من أراد أخذ شيء يقوم له ومن عجز قعد، وأما القعود بمعنى الزمانة فحقيقة والإقعاد مجاز كأنّ مرضه أقعده والقعود اللبث مطلقا قائما أو قاعدا أو هو حقيقة أيضا وفيه نظر إلا أن يريد أنه حقيقة عرفية لا لغوية لأنه ضد القيام. قوله: (جامعا على

الصفحة 20