كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

(تعليل لاحتياجهما إلى أشد الرحمة لأن احتياج المرء إلى من كان محتاجا له غاية
الضراعة والمسكنة فيرحم أشد رحمة كما قلت:
يا من أتى يسأل عن فاقتي ~ ما حال من يسأل من سائله
ما ذلة السلطان إلا إذا ~ أصبح محتاجاً إلى عامله
قوله: (وداع الله تعالى أن يرحمهما برحمتة الباقية (الخطاب للولد، ورحمته الفانية هي ما تضمنها الأمر والنهي السالفان، والرحمة الباقية هي رحمة الآخرة وخصها لأنها الأعظم المناسب طلبه من العظيم ولأنّ رحمة الدنيا حاصلة عموما لكل أحد، ولا تكتف نهي معطوف على الأمر قبله وهذه الرحمة التي في الدعاء قيل إنها مخصوصة بالأبوين المسلمين، وقيل عامة منسوخة بآية النهي عن الاستغفار، والمصنف رحمه الله ذهب إلى أنها عامة غير منسوخة لأن تلك الآية بعد الموت وهذه قبله ومن رحمة الله لهما أن يهديهما للإيمان فالدعاء بها مستلزم للدعاء به ولا ضير فيه، فيجوز الدعاء لهما بالرحمة على هذا الوجه فإن كان المراد رحمة الدنيا فهي دعاء بالزيادة. قوله: (رحمة مثل رحمتهما (فالكاف للتشبيه لا للتعليل كما ذهب إليه بعضهم لأنه مخالف لمعناها المشهور مع أن هذا يفيد ما أفاده التعليل، كما أشار إليه المصنف رحمه الله والجار والمجرور صفة مصدر مقدر أي رحمة مثل رحمتهما لي في صغري، وقال الطيبي رحمه الله: إن الكات لتأكيد الوجود كأنه قيل رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيها، كقوله: مثل ما أنكم تنطقون قال في الكشف وهو وجه حسن، وأما الحمل على أنّ ما المصدرلة حينية والمعنى ارحمهما وقت أحوج ما يكون إلى الرحمة، كوقت رحمتهما لي وأنا لحم على وضم وليس ذلك إلا في القيامة والرحمة الجنة لأنها الرحمة الباقية فتعسف لا يساعده اللفظ والمعنى، وقوله وفاء بوعدك إشارة إلى ما ورد من نحو الراحمون يرحمهم الرحمن وغيره، وقوله روي تبع فيه الزمخشري وقال ابن حجر رحمه الله: إنه لا يوجد في كتب الحديث، وقوله: فهل قضيتهما أي حقهما كما صزج به في الكشاف، وفي إيراده إشارة إلى فائدة طلب الرحمة لهما من الله فإنه لا يفي بحقهما وإنما يوفيه الله عنه وهو أيضا توطئة لما بعده وفيه تهديد ووعيد لمن خالفه في ذلك، والظاهر أنه وعد لمن أضمر البر ووعيد لغيره. قوله: (قاصدين للصلاح (أي بما صدر في حقهما أي مع صدوره حال اليإ درة والحدة فلذا
فسره بالقصد، والأوبة الرجوع وهي التوبة هنا لأنها رجوع عن الذنب، وحرج الصدر ضيقه، وقوله: وفيه تشديد عظيم على الأولاد في حق أبويهم ووجهه كما في الكشف أنه شرط في البادرة النادرة قصد الصلاج وعبر عنه بنفس الصلاج، ولم يصرح بصدورها بل رمز إليه بقوله فإنه كان للأوّابين الخ لدلالة المغفرة والتوبة على الذنب، فشرط قصد الصلاج والتوبة وهو استئناف يقتضيه مقام التأكيد والتشديد، كأنه قيل: كيف يقوم بحقهما وقد تبدر بوادر فقيل إذا بنيتم الأمر على الأساس وكان المستمر ذلك ثم اتفقت بادرة من غير قصد إلى المساءة فلطف الله يحجز دون عذابه. قوله: (ويجوز أن يكون عاقاً الخ (عطف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة أن يقال ورد في حق هؤلاء، وقوله: أوليا صفة مصدر مقدر أي اندراجا وقد وقع مصرحا به في بعض النسخ، وقوله لوروده على أثره أي لوقوعه بعده وهو تعليل للاندراج، وقيل إنه سقط من بعض النسخ، قوله ويندرج الخ فيشكل التعليل حينئذ إلا أن يراد أن يكون عاقا لغيره، وهو تعسف لا حاجة إليه فإنه إنما سقط من قلم الناسخ. قوله: (من صلة الرحم وحسن المعاشرة (هذا متفق عليه وذكره توطئة لمذهبه من أنه لا تجب النفقة على غير أصل وفرع خلافا لأبي حنيفة على ما فصل في الفروع لكنه قيل عليه إن عطف المسكين وابن السبيل عليه مما يدل على أن المراد الحقوق وذا القربى ظاهر في العموم لا يختص بالقرابة الولادية، وقوله في النظم حقه يشعر باستحقاقه ذلك لاحتياجه فلا يرد قوله في الكشف الحق أن إيتاء الحق عام والمقام يقتضي الشمول فيتناول الحق المالي وغيره فلا ينهض دليلا على إيجاب نفقة المحارم مع أنه إذا عم دخل فيه المالي وغيره فكيف لا ينهض

الصفحة 24