كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 6)

رحمه الله لم يرد أنه علة لما قبله وقد أشار إليه فيما تقدم، لكنه أجمل ما في الكشاف فلا وجه لما قيل، كون انتظار الرزق علة للإعراض ممنوع وكذا عدم النفع بل هو معلل بالخيار كما ذكره، وقيل: إنه يعني أن إعراضك عنهم بترك الجواب المورث لليأس لانتظار ما ذكر لكن ما ذكره من تعلقه بالجواب أورد عليه أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها في غير باب أما وما يلحق بها فإفا أن يكون جرى فيه على المذهب الكوفي المجوّز له مطلقا أو أراد التعلق المعنوي فيضمر ما ينصبه، ويجري هذا مجرى تفسيره وأن يأتيك بدل من الضمير بدل اشتمال. قوله: (أو منتظرين له (إشارة إلى أنّ المصدر حال مؤؤل باسم الفاعل وجمعه باعتبار المعنى لأنّ الخطاب لغير معين عام ففيه معنى الجمع، وكونه للتعظيم لا يناسب المقام وفي نسخة منتظراً وهي ظاهرة، وحمله في الأولى على انتظار السائلين بعيد، ولا وجه للتقييد به وهي حال مؤكدة، وقوله: ويجوز أن يتعلق بالجواب مر تفصيله. قوله: (وقيل معناه لفقد رزق من ربك (عطف على ما قبله من تفسير الابتغاء بالانتظار، قال في الكشف: ابتغاء الرزق أقيم مقام فقدانه وفيه لطف فكان ذلك الإعراض لأجل السعي لهم وهو من وضع المسبب موضع السبب كما مر وإذا جعل الإعراض كناية عن عدم نفعهم فالابتغاء مجاز عن عدم الاستطاعة متعلق بالشرط لا يخفى جريانه على التعليق بالجزاء أيضا، وقوله: لينا تفسير لميسوراً، والإجمال القول الجميل الحسن. قوله: (والميسور من يسر الآمر مثل سعد الرجل ونحس (اليسر السهولة واليسير والميسور السهل
وتيسر تسهل وتهيا كاستيسر، وقوله من يسر أي المجهول وكذا ما بعده فكأنه لم يسمع إلا مجهولاً إذا تعدى كما في الكشاف والميسور اسم مفعول منه، أو المراد بالقول الميسور الدعاء لهم باليسر مثل أغناكم الله ونحوه كيسر لكم الرزق فعلى هذا يكون الميسور مصدراً بتقدير مضاف، كما في الكشاف، أي قولاً ذا ميسور أي يسر قال العلامة: وفيه نظر لأن الميسور معناه ذا يسر ولهذا وقع صفة لقولا فأي ضرورة في أن يجعل مصدراً ثم يؤوّل بذا ميسور وما قيل إن قول المصنف وهو اليسر يشير إلى أن الميسور مصدر، وقول ميسور من باب رجل عدل فاندفع ما ذكره العلامة لا يسمن ولا يغني من جوع فالحق في دفعه أنه إذا أريد به قولا يشتمل على الدعاء لا يكون القول حينئذ ميسوراً بل ميسرا لما أرادوه وميسور ومعسور مصدرين مما ثبت في اللغة من غير تكلف فجعله صفة مبالغة أو بتقدير مضاف له وجه وجيه، فتأمل. قوله: (تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر (يعني أنهما استعارتان تمثيليتان شبه في الأولى فعل الشحيح في منعه بمن يده مغلولة لعنقه بحيث لا يقدر على مذها وفي الثانية شبه السرف ببسط اليد بحيث لا تحفظ شيئا وهو ظاهر، وقوله: أمر بالاقتصاد بدل من نهي بدل اشتمال على ما وقع من ترك الواو في نسختنا، وقوله: الذي هو الكرم أي الجود الممدوج لأنه يختص به في العرف فلا وجه لما قيل الأولى: أن يقول هو الجود إذ لا اختصاص للكرم بالبذل المالي، وقوله: عند الله لأنه غير مرضيّ وعند الناس لأن من لا يحتاج إليه يطعن فيه بعدم تداركه لأحواله ومن يحتاج بذفته بإعطاء غيره أو تنقيصه نجل عند نفسه أيضاً كما سيذكره. قوله: (بالإسراف وسوء التدبير (قيل: الأولى أن يعتبر فيه التوزيع فتقعد منصوب في جواب النهيين والملوم راجع قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [سورة الإسراء، الآية: 129 كما قيل: إن البخيل ملوم حيثما كانا
والمحسور راجع إلى قوله: {وَلاَ تَبْسُطْهَا} [سورة الإسراء، الآية: 129. قوله: (نادماً (فهو
من الحسرة وهي كما قال الراغب: الغتم والندم على ما فات كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو المحسرات أي انكشفت قواه عنه أو أدركه إعياء عن تدارك ما فاته فلذا قيل: محسوراً دون حاسر لأنه أبلغ. قوله: (أو منقطعا بك (ضبط بفتح الطاء على صيغة المفعول لأنه من انقطع بالمسافة مبينا للمفعول إذا عطبت دابته ونفد زاده فانقطع، وقوله: لا شيء عندك تفسير له، وقوله: من حسره السفر أي أعياه، وأقفه حتى انقطع عن رفقته فهو حاسر ومحسور أمّا الحاسر فتصوّر أنه قد حسر نفسه، وأما المحسور فتصوّر أن التعب قد حسره، وقوله: إذا
بلغ منه أي إذا بلغ السفر منه الجهد كمن

الصفحة 26