كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 8)

الصحاح قال الفراء لا يقولون فعلة إلا والواحد فاعل ككافر، وكفره فنقله
في الإتقان، ثم قال: ورد البارّ والأبرار في صفة الآدميين وبر وبررة في صفة الملائكة، ووجهه الراغب بأق الثاني أبلغ لأنه جمع بار وهو أبلغ من بر فقوله: بار أبلغ وهم وغره زيادة بنيته وهو مقيد باتحاد النوع فتدبر، وقيل في توجيهه إنّ صفات الكمال في بني آدم تكون كاملة وناقصة فوصفوا بالأبرار وهو جمع بر على الأصح عند النحاة إشارة إلى مدحهم بأكمل الأوصاف، وأما الملائكة فصفات الكمال فيهم لا تكون ناقصة فوصفوا بالبررة الذي هو جمع بر على الأصح الأفصح لأنه يدل على أصل الوصف بقطع النظر عن المبالغة فيه لعدم احتياجهم لذلك واشارة لفضيلة البشر لما في كونهم أبرارا من المجاهدة، وعصيان الجبلة فتدبر. قوله: (دعاء عليه) الدعاء هو معنى قتل الإنسان، والتعجب معنى ما أكفره، وقوله: وهو أي قوله: قتل الإنسان ما أكفره كلام في غاية الإيجاز لقلة لفظه وكثرة معناه. قوله: (يدل (أي هذا الكلام بجملته يدل بصدوره عن الله على غضبه العظيم، وهو معنى قوله: قتل الإنسان لأنه تعالى لا يتصوّر منه الدعاء فأريد به لازمه، وهو ما ذكر وقوله: ذم بليغ أي في غاية المبالغة، وهو معنى قوله: ما أكفره لأنّ التعجب أيضا لا يكون من الله كما مرّ فيكون تعجيبا لكل سامع فيدل على مبالغة في الكفران يتعجب منها كل واقف عليها، ولم يسمع هذا قبل نزول القرآن وما نسب إلى امرئ القيس من قوله:
يتمنى المرءفي الصيف الشتاء فإذا جاء الشتا أنكره فهولايرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره
لا أصل له ومن يعرف كلام العرب يعلم أنه من كلام المولدين دون الجاهلي، واعلم أنّ
العلامة روّح الله روحه قال في هذه الآية إنه لا يرى أسلوبا أغلظ منه ولا أخثن مساو لا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للأئمة على قصر متنبه منه ولم يبينوا وجهه إلا أنّ الإمام قال: قتل الإنسان يدل على استحقاق أعظم أنواع العقاب عرفا، وقوله: ما أكفر. تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعاً وأوردد في الكشف، وغيره من الشروح بلا زيادة عليه وعلل بأنّ الدعاء ليس على حقيقته لامتناً عه منه تعالى لأنّ منشأه العجز فالمراد به إظهار السخط باعتبار جزئه الأوّل وشدة الذم باعتبار جزئه الثاني فتأمل. قوله: (بيان لما أنعم عليه الخ) يعني لما بالغ في وصفه بكفران نعم خالقه شرع في بيان ما أنعم به عليه، وقوله: خصوصاً قيد للمنعم عليه أي هو بيان للنعم التي اختص بها الإنسان من بين خلقه لأنه مختص بمجموعها والاختصاص إضافي إن أريد جنس الإنسان لأنه بالنسبة لغيره من أنواع الحيوان كما سنبينه. قوله: (والاستفهام للتحقير) وذكر الجواب لا يقتضي أنه حقيقي كما توهم لأنّ المراد بالجواب ما هو على صورة الجواب لأنه بدل من قوله من أي شيء خلقه، ولو قيل: إنه للتقرير، والتحقير من شيء المنكر كان له وجه وقوله: من
مبدأ الخ من ابتدائية متعلقة بقوله: بيان، ومقابله قوله: إلى أن أتم خلقه وأنما أخره لأنه متعلق بقوله: فقدّره أطوارا أيضاً أو مقابله مقدّر بقرينة ما بعده، وقوله: ولذلك أي لكون المقصود منه التحقير أجاب بقوله: من نطفة الخ فانها حقيرة قدرة. قوله: (فهياه لما يصلح له الخ) دفع لما يخطر بالبال من أنّ الخلق بمعنى التقدير أو يتضمنه وعلى كل تقدير فعطفه بالفاء غير ظاهر بأنّ التقدير المذكور بمعنى التسوية، والمذكور هنا بمعنى التهيئة لما يصلح له أو هو تفصيل لما أجمل أوّلاً في قوله: أي شيء خلقه، والفاء تفصيلية لأنّ التفصيل يعقب الإجمال واليه أشار بقوله: أو فقدّره الخ. قوله: (ثم سهل مخرجه) فالسبيل محل خروجه من البطن، وقوله: فوهة الرحم بضم الفاء وفتح الواو المشدّدة أو بسكونها مخففة بمعنى فمه، وقوله: ألهمه أي ألهم الجنين حيث كانت رأسه من جهة العلو فإذا جاء وقت خروجه نكسها لأسفل ليسهل خروجه على ما بينه أهل الخبرة بذلك. قوله: (أو ذلل له سبيل الخير الخ) أي سهل له الطريق الذي يريد سلوكه من طريقي الخير والشرّ بأن أقدره عليه ومكنه منه والاقتدار على المراد نعمة ظاهرة بقطع النظر عن خيريته وشرّيته فلا يرد عليه أنه كيف يعد تسهيل طريق الشرّ من الئعم، وقيل: إنه عد من النعم لأنه لو لم يكن مذللاً كسبيل

الصفحة 322