كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 8)

قوله: (والدلالة) معطوف على المبالغة أيضا لأنّ من يتفضل بالإحسان كيف يستحق العصيان، وترك الشكر للكفران، ولذا قال بعض العارفين: لو لم أخف الله لم أعصه وعقب هذا بقوله الذي الخ مع تقدم قوله: بربك المنادي على ذلك، وقيل: إنّ هذا تلقين للحجة وهو من الكرم أيضا فإنه إذا قيل له ما غرّك الخ يتفطن للجواب الذي لقنه ويقول كرمه كما قيل: يعرف حسن الخلق والإحسان بقلة الآداب في الغلمان
قوله: (مبينة للكرم) من التبيين وفي بعض النسخ من الإثبات بالمثلثة، وقوله: منبهة الغ
فهو إيماء إلى إثبات ما كذبوه من البعث والجزاء توطئة لما بعده، وذلك إشارة إلى الخلق وما بعده، وقوله: والتسوية الخ أصله جعل الأشياء على سواء فتكون على وفق الحكمة ومقتضاها بإعطائها ما يتم به، وقوله: جعل البنية الخ المراد بها الجسد ومعتدلة فسره بقوله: متناسبة الأعضاء إذ لو كانت إحدى العينين أو اليدين أكبر من الأخرى كبرا مفرطا كان مشوه الخلقة كما يشهد به الحس، وقوله: بما يعتدها أي يهيؤها وفي نسخة يستعدها وأنث الضمير لتفسيره بالقوى. قوله: (عدل بعض أعضائك الخ) تفسير له على قراءة التخفيف بوجهين لأنه إمّا من عدل فلانا بفلان إذا ساوى بينهما أو من عدل بمعنى صرف، وليس الأوّل توجيها للتشديد والثاني للتخفيف كما توهم. قوله: (أي ركتك الخ (أي استفهامية والجار والمجرور متعلق بركبك، وما زائدة وجملة شاء صفة صورة والاستفهام مجاز للتعجيب ومآله إلى أنه وضعك في صورة عجيبة اقتضتها مشيئته أو في صورة متميزة متعينة أو الظرف حال أي ركبك كائنا في أيّ صورة أرادها. قوله: (وقيل شرطية) أي إن شاء تركيبك ركبك، والمعنى أنه إن شاء تركيبك في أي صورة غير هذه الصورة فعل، وقوله: وركبك جوابها وقيل جوابها محذوف ولبعده جداً أخر. ومرضه وجوّز فيها كونها موصولة، وموصوفة ومفعولاً مطلقا لركبك. قوله: (والظرف صلة عدلك) أي على الشرطية لأنّ معمول ما في حيز الشرط لا، يجوز تقديمه عليه، واعترض عليه بان أي اسم استفهام له الصدر فكيف يعمل فيه ما قبله وكونه فيه معنى التعجب أي صورة عجيبة كما في الكشاف لا يسوغه كما لا يخفى والصواب أن يتعلق بمقدر والمعترض لم يفهم
مراده فإنه أراد أنها أفي الدالة على الكمال وهي صفة هنا حذف موصوفها زيادة للتفخيم، والتعجيب وأصله في صورة أيّ صورة كما تقول مررت برجل أي رجل وأي الكمالية منقولة من الاستفهام لكنها لانسلاخ معناه عنها بالكلية عمل فيها ما قبلها كما في المثال المذكور، وهذا لا شبهة فيه فمن توهم أنه هنا للاستفهام فقد وهم لكن الكلام في جواز حذف موصوف أي الكمالية، وقوله: لم يعطف أي بالفاء كما قبله وقوله: بيان لعدلك لأنّ معناه ركبك في صورة عجيبة، وهذا إذا لم يتعلق الجار بقوله: عدلك والجملة الشرطية صفة صورة والعائد محذوف. قوله: (! ! راب إلى بيان الخ) وهو إنكارهم الدين بالمعنيين أو هو إضراب عنه إلى ما هو أشدّ منه والدين له معان منها ما ذكر هنا، وقوله: أو الإسلام كما في قوله: إنّ الدين عند الله الإسلام، قيل: والإسلام هنا كناية عن التصديق بالثواب والعقاب كما في الكشاف فلا يرد عليه أنّ ما بعده معين لمعنى الجزاء، وفيه نظر، وقال الراغب بل هنا لتصحيح الثاني وابطال الأوّل كانه قيل ليس هنا مقتض لغرورهم ولكن تكذيبهم حملهم على ما ارتكبوه فهو ترق من الطمع الفارغ إلى ما هو أغلظ منه. قوله تعالى: ( {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ} الخ) جملة حالية مقررة للإنكار، ويجوز أن تكون مستأنفة والأوّل أولى، وقوله: تحقيق لما يكذبون به من الجزاء على الوجهين كأنه قيل إنكم تكذبون بالجزاء والكتبة يكتبون كل ما يصدر منكم حتى التكذيب، وليى هذا إلا للجزاء والا لكان عبثا تنزه عنه الحكيم العليم وهذا على الوجه الأوّل، ولذا قيل إنه ترجيح له وقيل: إنه استبعاد للتكذيب مع ما ذكر ورد بأنهم لا يعترفون به فلا يتم به الاستبعاد، وفيه بحث. قوله: (ورد لما يتوقعون الخ) المراد بالتسامح إما التسامح في الكتابة أو في الجزاء للكفرة لأنهم المكدّبون فلا يرد أنّ الكرام الكاتبين حافظون لأعمال المؤمنين مع التسامح عن بعض السيئات في الآخرة كما توهم. قوله: (وتعظيم الكتبة) بما وصفوا به هنا لأنّ عظمتهم تدل على عظمة شغلهم، وعظمة شغلهم تدل على عظمة جزائه إذ لو لم يكن

الصفحة 332