كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 8)

ذلك عظيماً لم يوكل به العظماء كما لا يخفى، وقوله: بكونهم كراما عند الله قيل: إنه إشارة إلى أنّ التعظيم بكونهم أعزاء على الله لا بوصفهم بالكتابة والحفظ كما في الكشاف، وفيه نظر ظاهر. قوله: (عند الله (إشارة إلى أنّ معنى التعطف على المؤمنين غير مناسب هنا، وقوله: بيان لما يكتبون لأجله يعني أنها جملة مستأنفة في جواب سؤال تقديره لم يكتبون ذلك فكأنه قيل: ليجازي الأبرار بالنعيم والفجار بالجحيم، وقيل: إنه ردّ لتكذيبهم بالجزاء وجملة يصلونها حالية أو مستأنفة. قوله: (لخلودهم فيها) فهو كقوله: وما هم بخارجين منها في الدلالة على الخلود،
وليس من التقوى والحصر في شيء، ثم إنّ الحصر هنا غير مقبول جمند الجماعة لعمومه للكفار والفسقة فلا وجه للقول بأنه في الكشاف أثبت التقوّي ونفي الحصر بناء على مذهبه. قوله: (وقيل: معناه الخ) قال: يغيبون الخ إشارة إلى أنه من حكاية الحال الماضية، ومرضه لأنه خلاف الظاهر فلا يرتكب من غير داع قيل: والواو على هذا للعطف فيقتضي تغاير المتعاطفين أي أنهم الآن ليسوا بغائبين عن الجحيم وعلى الأوّل للحال وأورد عليه أنّ بعض الفجار في زمرة الأحباب وبعضهم لم يخلق لذلك وعذاب القبر بعد الموت، وكلام الزمخشري يأبى حمله على ما حمله عليه فالظاهر أنّ الواو حالية في الوجهين لكنها على الأوّل حال مقدّرة وعلى الثاني هي كقوله: حصرت صدورهم، وهو غير وارد لأنه يعني أن الواو على هذا ليست للحال لانفصال ما بين صليّ النار، وعذاب القبر بالبعث وما في موقف الحساب بل للعطف فيحمل اسم الفاعل في المعطوف أعني غائبين على الحال ليغاير المعطوف عليه الذي أريد به الاستقبال، ولا ينافيه قوله: قبل ذلك فإنه بيان لحاصل المعنى، ولا ينافيه ماً ذكره من أنّ بعض الفجار الخ لأنّ الكلام على ما عرف في إخباره تعالى من التعبير عما يستقبل منها بالماضي لتحققه، والمعترض لما لم يقف على مراده قال ما قال: وما بعد الحق إلا الضلال. قوله: (سمومها في القبور) بضم السين / بمعنى حرّها أو بفتح السين بمعنى ريحها الحارة، وفي الكشاف قيل أخبر الله في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات حالة الحياة التي يحفظ فيها عمله، وحالة الآخرة التي يجازي فيها، وحال البرزخ وهو قوله: وما هم عنها بغائبين انتهى، ولم يذكر حال البرزخ للأبرار اكتفاء لعلمها من المقابلة. قوله: (دراية دار) إشارة إلى أن الخطاب في أدراك عام، وقيل: الخطاب للرّسول وقيل: للكافر، وقوله: تعجيب الخ حيث أتى بصيغة الاستفهام تحريضا للمخاطبين على إدراكه أو مبالغة في إيجاب الاستفسار عنه كأنه قيل: ما أدرأك، بيوم الدين فلا تسأل عنه إذا ذكر وجعله تعجيبا لتنزهه تعالى عن التعجب كما مر مرارا. قوله تعالى: ( {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} ) قال في الكشاف أي لا أمر إلا لله وحده، وفي الكشف الظاهر أن الأمر واحد الأوامر لقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [سورة غافر، الآية: 16] فإنّ الأمر من شأن الملك المطاع، وفيه تحقيق قوله: لا تملك نفس لنفس شيئا لدلالته على أنهم مسوسون مقهورون مشتغلون بأنفسهم، وقوله: لا أمر إلا لله وحده إبراز لمعنى الاختصاص في اللام وما ذكره هو الحق الذي لا عدول عنه لأنّ المراد بكون الأمر له أنّ التصرّف جميعه في قبضة قدرته، وهو الموافق لقوله: لا تملك الخ لأنّ معناه لا قدرة لأحد على ضر أحداً، ونفعه وكون الأمر واحد الأمور ركيك هنا فلا يلتفت إلى ما قيل من أنه لو حمل على واحد الأمور كان أشمل ولا نزاع في جواز كل منهما إنما الأمر في أيهما أظهر، وما ذكره دعوى من غير
دليل، وقوله: تقرير الخ لدلالته على اشتغالهم بأنفسهم وأنهم مقهورون بسطوة الربوبية، وقوله: ورفع الخ على البدل أو هو خبر مبتدأ مقدّر ونصبه الباقون بإضمار اذكر أو يدانون لدلالة الدين عليه أو بتقدير يشتدّ الهول، ونحوه مما يدل عليه السياق وقال الزجاج إنه مبني على الفتح وهو في موضمع رفع أو جرّ، وقوله عن النبيّ الخ حديث موضوع. تمت السورة والحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة المطففين
لا خلاف في عدد آياتها واختلف في كونها مكية أو مدنية فقيل هي بتمامها مكية، وقيل: مدنية، وقيل: إلا ست آيات من أوّلها وقيل: مكية إلا ثمان آيات من آخرها ولا خلاف في عددها.

الصفحة 333