كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 8)

معلوم لهم وثابت عندهم فلا يقال: السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا تعلم الحرمة، والحل إلا من الشرع والحسن والقبيح العقليين ليسا مذهبا لنا أو المراد ذم الوارث بإسرافه واتلافه ما ورثه من غير تعب كما في الكشاف قيل، وأنما تركه المصنف لأنه غير مناسب للسياق، وهو قريب مما ذكر وقوله: بالياء وهو مسند للإنسان لأنه بمعنى الناس، والتاء التفات أو بتقدير قل لهم يا محمد ذلك. قوله: (دكا بعد دك) فليس الثاني تأكيدا بل التكرير للدلالة على الاستيعاب كقرأت النحو بابا بابا وجاء القوم رجلاً رجلاً والدك قريب من
الدق لفظاً ومعنى كرك ورق، وقوله: عن ذلك الإشارة لما ذكر من ترك إكرام اليتيم وما بعده. قوله: (مثل ذلك) بصيغة المجهول من التمثيل والإشارة لظهور آثار القدرة والقهر يعني أنه تعالى لا يوصف بالنزول والمجيء، ونحوه مما يوصف به الأجسام فهذا استعارة تمثيلية لما ذكر، وقوله: بحسب منازلهم أو بحسب خدماتهم وهو قريب مما ذكر وقوله: برّزت الجحيم فمجيئها متجوّز به عن إظهارها كما صرح به في آية أخرى وقوله: وفي الحديث الخ إشارة إلى تفسير آخر المجيء فيه على ظاهره، وقوله: يجرّونها جملة حالية أو مستأنفة. قوله: (أي يتذكر معاصيه) فهو من الذكر ضد النسيان، وقوله: أو يتعظ فهو من التذكير والموعظة وقوله: منفعة الذكرى أي هو بتقدير مضاف فيه أو المراد نفعها من اللام أو المراد تنزيلها منزلة العدم أو هو حكاية ما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ والتناقض إذا كانا بمعنى واحد وهو الظاهر من السياق. قوله: (واستدل به على عدم الخ) أي استدلّ به على أنّ التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلاً كما زعم المعتزلة بناء على وجوب الأصلح عندهم إذ لو وجب قبولها لوجب قبول هذا التذكر فإنه توبة إذ التوبة كما بين في الكلام هي الندم على المعصية من حيث هي معصية، والعزم على أن لا يعود لها إذا قدر عليها ولم يعتبر أحد في تعريفها كونها في الدنيا، وإن كانت النافعة منها لا تكون إلا في الدنيا وهذا التذكير هو عين الندم المذكور ولم يقبل لعدم ترتب المنفعة عليه التي هي من لوازم القبول، وفيه بحث ظاهر وعليه منع ظاهر الورود فتدبر. قوله: (أي لحياتي هذه) فاللام للتعليل ومفعول قدمت محذوف وهو الأعمال الصالحة فتمنى أن يكون عمل ما ينفعه اليوم والمراد بحياته حياته في الآخرة وقوله: وقت حياتي على أنّ اللام بمعنى وقت كما في نحو لخمس مضين ونحوه والمراد الحياة التي في الدنيا فقوله: أعمالاً صالحة على الوجهين وقيل: المعنى قدمت لأجل أن تحيا حياة نافعة لأنها لا تموت ولا تحيا حينثذ. قوله: (وليس في هذا التمني الخ) ردّ لما في الكشاف بناء على مذهبه من أن هذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم معلقاً بقصدهم، وارادتهم وانهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبرين على المعاصي كمذهب أهل الأهواء والا فما معنى
التحسر لأن كونهم متحسرين لا ينافي كونهم محجورين فإنّ المحجور قد يتمنى ويتحسر على ما حجر عنه إذا كان قادرا عليه في الجملة سواء كان بالتأثير أو بالكسب الذي ذهب إليه أهل الحق وهو مقارنة قدرة العبد دمأرادته للفعل من غير أن يكون هناك له تأثيرا ومدخل في وجوده. قوله: (فإنّ المحجور الخ) هذا سند للمنع إلا أنه قيل: إنه يجامع المقدّمة الممنوعة وفي الكث! ف التمني يقع على المستحيل مع أنه حينئذ كالغريق وأهل الحق لا يقولون بسلب الاختيار بالكلية. قوله: (إن كان ممكناً منه) إن مفتوحة مصدرية وممكنا اسم مفعول من التمكين أي أقدره الله عليه وكون أن شرطية وممكنا اسم فاعل من الإمكان قيل إنه تصحيف يردّه أن التمني لا يتوقف على الإمكان فان نوقش بأن بين قوله: المحجور وهذا القول فرّقا فإنه يقول: يا ليتني قدرت على أن أقدم لحياتي، ولا يقول: يا ليتني قدمت دفع بأنه أوّل المسألة فلبحرر. قوله: (إذ الآمر كله له) ولما كان هذا يستلزم أنه لا عذاب لأحد غيره أضافه للتعظيم والتهويل فاندفع ما قيل: إنّ هذا التعليل يقتضي إطلاق العذاب دون تقييده بالإضافة وبين ظاهرهما تناف ظاهر فتدبر. قوله: (أو للإنسان) أي الضمير المضاف إليه راجع للإنسان، والمصدر مضاف للمفعول واحد مراد به من يلي العذاب من الربانية، وقوله: على بناء المفعول والمعنى أنه لا يعذب أحد من جنسه كالعصاة فلا يلزم أنهم أشد عذابا من إبليس ومن في طبقته، وأما كون المعنى لا يتحمل أحد ما يستحقه كقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

الصفحة 359