كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 8)

فرعون استعبدهم فأداؤهم استعارة بمعنى إطلاقهم، وارسالهم معه كما أشار إليه بقوله، وأوسلوهم إذ عطفه عليه عطفاً تفسيريا، وفيه
مخالفة لما في الكشاف من الإشارة إلى عدم تجويز المصدرية لما قيل إنه لا معنى لقولك جاءهم بالتأدية إليّ، والحمل على طلب التأدية إليّ لا يخلو عن تعسف، وقد رد بأنه بتقدير القول، وهو شائع مطرد فتقديره بأن قال أدوهم إليّ لكنه لا يخلو عن التكلف لما فيه من التجوّز، والتقدير من غير قرينة على إرادته في كلام المصنف، والتعبير بعباد الله للإشارة إلى أنّ استعباده لهم ظلم منه، وهذا بناء على جواز وصلها بالأمر، والنهي والآية كقوله: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} [سورة طه، الآية: 47] . قوله: (أو بأن أدّوا إلى حق الله الخ) هذا على المصدرية أيضا، والفرق بينه وبين ما تقدم أنّ عباد الله في الأوّل مفعول والمراد به بنو إسرائيل، والأداء بمعنى الإوسال، وفي هذا مفعوله مقدر، وعباد الله منادى عامّ لبني إسرائيل والقبط، والأدأء بمعنى الفعل للطاعة، وقبول الدعوة. قوله: (وبجوز أن تكون أن الخ) قال الشارح المحقق: أنه بعيد جداً لأنها على التخفيف يقدّو معها ضمير الشأن، وخبره لا يكون إلا جملة خبرية، وأيضا لا بدّ أن يقع بعدها النفي، أو قد أو السين أو سوف، وتقدم فعل قلبيّ ونحوه، وأجيب بأنّ مجيء الرسول يتضمن معنى فعل التحقيق كالأعلام، والفصل المذكور غير متفق عليه فقد ذصب المبرد تبعا للبغاددة إلى عدم اشتراطه، والقول بأنه شاذ يصان القرآن عن مثله غير مسلم، والإخبار عنه بجملة إنشائية جائز عند الزمخشريّ كما حققه في الكشف، وقد مرّ تفصيله غير مرّة. قوله: (لأنّ مجيء الرسول الخ) إشارة إلى توجيه كونها مفسرة فانّ شرطها تقدم فعل يدل على القول دون حروفه، ولما كان مجيء الرسول للدعوة دل على ذلك فهي لتفسير المتعلق المقدر أي جاءهم بالدعوة، وهي أن أذوا الخ. قوله: (لدلالة المعجزات على صدقه) فأمانته عبارة عن عدم اتهامه بالكذب في دعوى الرسالة للدليل القاطع بصدقه أو المراد ائتمان الله على وحيه، وهي جملة مستأنفة لتعليل الأمر قبلها فقوله، وهو أي هذا القول باعتبار ما تضمنه وصفه بالأمانة، وقوله: بالاسنهانة بوحيه الخ ففيه تجوّز في النسبة أو تقدير مضاف أي على رسوله، ولو حمل على ظاهره جاز لقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سورة النازعات، الآية: 24] ونحوه من خرافاته، وقوله: كالأولى في وجوهها، وعلى المصدرية المعنى يكفكم عن العلو على الله تعالى، وقول التفتازاني في شرحه لا يجوز أن تكون مصدرية موصولة بالنهي على قول سيبويه أو بالنفي، ونصب المضاوع لفساد المعنى لا وجه له. قوله: (ليكم) فعل مضارع أو اسم فاعل وقوله، ولذكر الأمين
الخ يعني أنه ترشيح للاستعارة المصرّحة أو المكنية بجعلهم كانهم مال للغير في يده أمره بدفعه لمن يؤتمن عليه، وأنّ السلطان بمعنى الحجة الغالبة، وفيه تورية عن معنى الملك مرشحة بقوله لا تعلوا. قوله: (أن ترجمون) أي من أن ترجموني، واني عذث جملة معطوفة على الجملة المستأنفة وأدغم داله في التاء كما في نبذتها، وهي قراءة أبي عمرو، والأخوين في السبعة لا شاذة كما توهمه العبارة لكنه لبيانه في القرا آت لا يضرّ مثله، والرجم مجاز عما ذكره كما يقال رماه بكذا، وقوله لا عليّ، ولا لي تفسير لقوله بمعزل مني إشارة إلى أنّ المراد به كناية الترك لا المفارقة الحقيقية كما قال عمر رضي الله عنه: ليتني شل! مت من الخلافة كفافا لا عليّ ولا لي، وقوله: فإنه أي التعرّض بالسوء. قوله: (بأنّ هؤلاء قوم مجرمون (يعني فيه باء محذوفة هي صلة الدعاء كما في دعوت الله بكذأ، وقوله: وهو تعريض الخ لما كان مدخول الباء هنا، وهو إجرامهم بمعنى تناهى أمرهم في الكفر، والمعاصي لأنّ الكافر إذا وصف بالإجرام يراد به ذلك، وهو بحسب الظاهر لا يصلح لأن يكون مدعوّاً به جعله كناية، وتعريضا عن المدعوّ به لأنه لما ذكره موجبه، ورفعه إلى الله العالم بأحوالهم دل ذلك على أنّ المراد فعل بهم ما يستحقونه، وضمير استوجبوه للدعاء، وبه لما ويحتمل تقدير المدعوّ به أو جعل هذا مجازاً عنه، وقوله: على إضمار القول أي قائلاً الخ. قوله: (فقال) أي الله لما دعاه والفاء للتعقيب والترتيب، والقول مقدّر فيه بعد الفاء معطوف على ما قبله أو هو بتقدير قول، والفاء جواب شرط مقدر، وهو وجوابه مقول القول المقدر مع الفاء أو بدونها على أنه استئناف، والأوّل أقل في التقدير ولذا قدّمه مع أنّ تقدير أن لا يناسب إذ لا شك فيه تحقيقا، ولا تنزيلاً وجعلها بمعنى إذا تكلف على

الصفحة 7