كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْهُ بِشَهَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا» وَالْقِيَاسُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى غَالِبًا وَجُعِلَ كَالتَّتِمَّةِ لِمَا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ لِئَلَّا يَغْفُلَ عَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِهَا فَلَا يُسْأَلُ وَلَا يُعْطِي وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ كَالْعِلْمِ كَمَا تَقَرَّرَ وَكِلَاهُمَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ رَحِمَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ إلَى رَحُمَ بِضَمِّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَرَبِ إلَّا مُعَرَّفًا بِاللَّامِ أَوْ مُضَافًا أَوْ مُنَادَى اهـ وَأَمَّا
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا
فَلَا شَاهِدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ فَتَكُونُ أَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ وَالصَّرْفَ فَتَكُونُ أَلِفُهُ بَدَلًا مِنْ التَّنْوِينِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ إلَخْ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى إطْلَاقِ تَفْسِيرِ الرَّحِيمِ وَتَقْيِيدِ تَفْسِيرِ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ جِدًّا، وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ بِشَهَادَةٍ إلَخْ الْوَاوُ بَدَلُ الْفَاءِ كَمَا فِي غَيْرِهِ لِئَلَّا تَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِلَا تَبَعِيَّةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي تَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّارَيْنِ لَا يُنَافِي أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْلَغُ وَأَزْيَدُ مَعْنًى سم عِبَارَةُ الصَّبَّانِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أَبْلَغِيَّةُ الرَّحْمَنِ بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنْعَامُهُ بِالنِّعَمِ الْعَظِيمَةِ رَحْمَنُ وَمِنْ حَيْثُ إنْعَامُهُ بِمَا دُونَهَا رَحِيمٌ وَيُؤَيِّدُهُ تَفْسِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الرَّحْمَنَ بِالْمُنْعِمِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَالرَّحِيمَ بِالْمُنْعِمِ بِدَقَائِقِهَا وَبَعْضِهِمْ الرَّحْمَنَ بِالْمُنْعِمِ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَالرَّحِيمَ بِالْمُنْعِمِ بِمَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنْهُمْ اهـ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ سم (قَوْلُهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ إلَخْ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ، وَأَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٌ وَحَاذِرٌ وَأَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمَنٌ وَزَمَانٌ إذْ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ غَالِبُ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ حَذِرٍ وَحَاذِرٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ وَالثَّانِي اسْمُ فَاعِلٍ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الِاتِّصَافِ بِمَضْمُونِهِ وَلَوْ مَرَّةً (قَوْلُهُ وَجُعِلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ لِمَ قَدَّمَ الرَّحْمَنَ عَلَى الرَّحِيمِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَقُدِّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ وَالرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ إذْ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِمْ عَالِمٌ نِحْرِيرٌ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَمٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ كَالتَّابِعِ وَالتَّتِمَّةِ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي بَلْ مِنْ بَابِ التَّعْمِيمِ وَالتَّكْمِيلِ وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ (فَائِدَةٌ)
قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الدُّنْيَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ صُحُفُ شِيثٍ سِتُّونَ وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ ثَلَاثُونَ وَصُحُفُ مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشْرَةٌ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ أَيْ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَمَعَانِي كُلِّ الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْبَسْمَلَةِ وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي بَائِهَا وَمَعْنَاهَا أَيْ الْإِشَارِيُّ بِي كَانَ مَا كَانَ وَبِي يَكُونُ مَا يَكُونُ زَادَ بَعْضُهُمْ وَمَعَانِي الْبَاءِ فِي نُقْطَتِهَا اهـ قَالَ شَيْخُنَا، وَالْمُرَادُ بِهَا أَوَّلُ نُقْطَةٍ تَنْزِلُ مِنْ الْقَلَمِ الَّتِي يُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْخَطُّ لَا النُّقْطَةُ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ وَمَعْنَاهَا الْإِشَارِيُّ أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى نُقْطَةُ الْوُجُودِ الْمُسْتَمَدُّ مِنْهَا كُلُّ مَوْجُودٍ اهـ.
(قَوْلُهُ لِمَا دَلَّ إلَخْ) اللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّتِمَّةِ وَمَا كِنَايَةٌ عَنْ الرَّحْمَنِ (قَوْلُهُ وَمِنْ التَّدَلِّي) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَالتَّتِمَّةِ سم وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّدَلِّي هُنَا مُقَابِلُ التَّرَقِّي أَيْ التَّنَزُّلِ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ قَوْلُهُ وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي وَهُوَ أَيْ التَّدَلِّي الْقُرْبُ وَالْمُقَارَنَةُ، أَيْ وَلِئَلَّا يُغْفَلَ عَنْ مَكَانِ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فَهُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ لِتَأْخِيرِ الرَّحِيمِ وَجَعْلِهِ كَالتَّتِمَّةِ لِلرَّحْمَنِ، وَالْمُرَادُ أَخَّرَهُ لِيُقَارِنَ النَّظِيرَ وَهُوَ لَفْظُ الرَّحْمَنِ بِالنَّظِيرِ، وَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُهُ لِلتَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ قَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُهُ عَنْ سم عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) أَقُولُ وَلِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ طُرِدَ فِي غَيْرِهَا سم (قَوْلُهُ كَالْعَلَمِ) أَيْ بِالْوَضْعِ، وَإِلَّا فَقَدْ قُدِّمَ أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ (قَوْلُهُ مِنْ رَحِمَ إلَخْ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفِعْلِ تَقْرِيبًا وَلِضِيقِ الْعِبَارَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ مَصْدَرٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْفِعْلِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ نَقْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَا يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ) أَيْ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي تَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّارَيْنِ لَا يُنَافِي أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْلَغُ وَأَزْيَدُ مَعْنًى (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِهِمَا) مُقَابَلَتُهُ بِالْجَلَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْجَلَائِلِ وَقَوْلُهُ وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَالتَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) أَقُولُ وَلِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي الْفَاتِحَةِ ثُمَّ طَرَدَ فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ

الصفحة 10