كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

أَوْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ وَالرَّحْمَةُ مَيْلٌ نَفْسَانِيٌّ أُرِيدَ بِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى غَايَتُهَا مِنْ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتُهُ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ اسْتَحَالَ مَعْنَاهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى

(الْحَمْدُ) الَّذِي هُوَ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) أَيْ لِاطِّرَادِ نَقْلِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ فِي بَابَيْ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَنْزِيلُهُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى نَقْلِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ مَنْزِلَتَهُ) أَيْ فِي اللُّزُومِ بِأَنْ لَا يُعْتَبَرَ تَعَلُّقُهُ بِمَفْعُولِ لَا لَفْظًا وَلَا تَقْدِيرًا كَقَوْلِك زَيْدٌ يُعْطِي أَيْ يَصْدُرُ مِنْهُ الْإِعْطَاءُ قَاصِدًا الرَّدَّ عَلَى مَنْ نَفَى عَنْهُ أَصْلَ الْإِعْطَاءِ صَبَّانٌ.
(قَوْلُهُ مَيْلٌ نَفْسَانِيٌّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ، فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى إرَادَةُ إيصَالِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ أَوْ نَفْسُ إيصَالِ ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ عَلَى الْأَوَّلِ وَمِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ عَلَى الثَّانِي اهـ، زَادَ الصَّبَّانُ أَيْ فَهِيَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ الْقَرِيبِ أَوْ الْبَعِيدِ أَوْ اسْمِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الْقَرِيبِ أَوْ الْبَعِيدِ هَذَا أَيْ مَجَازِيَّةُ وَصْفِهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَمَّا وَصْفُهُ تَعَالَى بِهِمَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ الصَّفَوِيُّ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ اهـ.
عَلَى أَنَّ الْخَادِمِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ مِنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إرَادَةَ الْخَيْرِ وَعَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّ مِنْهَا الْإِحْسَانَ فَعَلَى هَذَيْنِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا فَاحْفَظْهُ اهـ كَلَامُ الصَّبَّانِ عِبَارَةُ ع ش وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ فَقَوْلُ م ر إمَّا مَجَازٌ إلَخْ مَعْنَاهُ بِحَسَبِ أَصْلِهِ قَبْلَ اشْتِهَارِهِ شَرْعًا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْغَايَاتِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمُلَّا إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ، ثُمَّ الْمَدَنِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ هِيَ الرَّحْمَةُ الْقَائِمَةُ بِنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الرَّحْمَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ كَوْنُ الرَّحْمَةِ الَّتِي وُصِفَ بِهَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ مَجَازًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقَدْ وُصِفَ الْحَقُّ بِالْعِلْمِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْعِلْمَ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الْحَقُّ مَجَازٌ مَعَ أَنَّ عِلْمَ الْحَقِّ ذَاتِيٌّ أَزَلِيٌّ حُضُورِيٌّ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَعِلْمُنَا مَجْعُولٌ حَادِثٌ حُصُولِيٌّ غَيْرُ مُحِيطٍ، وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْقَائِمَةُ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ وَصْفَ الْحَقِّ بِالْقُدْرَةِ مَجَازٌ مَعَ أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى ذَاتِيَّةٌ أَزَلِيَّةٌ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَقُدْرَتُنَا مَجْعُولَةٌ حَادِثَةٌ غَيْرُ شَامِلَةٍ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْإِرَادَةُ وَغَيْرُهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ حَقِيقَةً وَاحِدَةً هِيَ الْعَطْفُ، ثُمَّ الْعَطْفُ تَخْتَلِفُ وُجُوهُهُ وَأَنْوَاعُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِينَ بِهِ فَإِذَا نُسِبَ إلَيْنَا كَانَ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً وَإِذَا نُسِبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ ذَاتِهِ مِنْ نَحْوِ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتِهِ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ وَنَحْوَهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا نُسِبَتْ إلَيْنَا كَانَتْ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً، وَإِذَا نُسِبَتْ إلَى الْحَقِّ كَانَتْ كَمَا تَلِيقُ بِجَلَالِ ذَاتِهِ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَلَا تَتَعَذَّرُ إلَّا إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ مُطْلَقًا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ وَضْعًا وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مَنْ تَنَبَّهَ لَهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّكَلُّفَاتِ فِي تَأْوِيلِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا وَرَدَ إطْلَاقُهَا عَلَى اللَّهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ لِاسْتِحَالَتِهَا) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى سم (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ اسْتَحَالَ إلَخْ) أَيْ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ وَالْحَيَاءِ وَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاسْتِهْزَاءِ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ ع ش وَصَبَّانٌ

(قَوْلُهُ لُغَةً) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُنْدَرِجًا فِي الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَإِنْ كَانَ سَمَاعِيًّا مُلْحَقٌ بِالْقِيَاسِيِّ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ بُجَيْرِمِيٌّ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ فِيهِ نَظَرٌ رَاجِعْ عِلْمَ النَّحْوِ (قَوْلُهُ بِالْجَمِيلِ) إنْ كَانَتْ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَانَ بَيَانًا لِلْمَحْمُودِ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ اخْتِيَارِيًّا، وَإِنْ كَانَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى كَانَ بَيَانًا لِلْمَحْمُودِ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ اخْتِيَارِيًّا وَلَوْ حُكْمًا أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ فَيَشْمَلُ ذَاتَهُ تَعَالَى وَصِفَاتَهُ، أَوْ بِأَنْ كَانَ مَنْشَأً لِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَالْقُدْرَةِ أَوْ مُلَازِمًا لِلْمَنْشَأِ كَبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجَمِيلُ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَهِيَ الْمَزَايَا الْقَاصِرَةُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ الِاتِّصَافُ بِهَا عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَوْ مِنْ الْفَوَاضِلِ وَهِيَ الْمَزَايَا الَّتِي يَتَوَقَّفُ الِاتِّصَافُ بِهَا عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ كَالْإِنْعَامِ وَالشَّجَاعَةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ الْجَمِيلُ عِنْدَ الْحَامِدِ أَوْ الْمَحْمُودِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمِيلًا فِي الشَّرْعِ فَيَشْمَلُ الثَّنَاءَ عَلَى الْقَتْلِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْوَصْفِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَلَوْ ظَاهِرًا بِأَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْ الْحَامِدِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَلَبِيُّ وَوَافَقَهُ الْبُجَيْرَمِيُّ وَشَيْخُنَا وَاشْتَرَطَ الْمُغْنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSمَنْزِلَتَهُ) أَيْ فِي اللُّزُومِ وَقَوْلُهُ لِاسْتِحَالَتِهَا أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى

الصفحة 11