كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ» أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ أَيْ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَقَدْ يَخْرُجَانِ بِذِي الْبَالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ذَوُوهُ شَرْعًا لَا عُرْفًا وَلَا ذِكْرٍ مَحْضٍ وَلَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ الْبَسْمَلَةِ كَالصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» بِجِيمٍ فَمُعْجَمَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ «أَقْطَعُ» وَفِي أُخْرَى «أَبْتَرُ» أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ، وَقِيلَ مَقْطُوعُهَا وَفِي رِوَايَةِ «بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي أُخْرَى «بِذِكْرِ اللَّهِ» وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لِلْمُرَادِ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ بِفَرْضِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ فِيهِمَا وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا ضَعِيفٌ «لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَبْتَرُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ» ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَادَةُ الْبُلَغَاءِ تَحْسِينَ مَا يُكْسِبُ الْكَلَامَ رَوْنَقًا وَطَلَاوَةً لَا سِيَّمَا الِابْتِدَاءُ ثَنَّى بِمَا فِيهِ بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ سَوَاءٌ سَبَقَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْحَقِيقِيِّ صَبَّانٌ وَع ش (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ) أَيْ بِأُسْلُوبِهِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَلِتَقْدِيمِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَعَمَلًا بِالْخَبَرِ إلَخْ) أَيْ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْبَدْءِ الْحَقِيقِيِّ وَحَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْبَدْءِ الْإِضَافِيِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي دَفْعِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَهُنَاكَ أَوْجُهٌ أُخَرُ لِدَفْعِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ شَيْخُنَا وَعُبِّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ بِالِاقْتِدَاءِ وَفِي جَانِبِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ إذْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ بِذَلِكَ لَا تَصْرِيحًا وَلَا ضِمْنًا، وَإِنَّمَا نَزَلَ بِذَلِكَ الْأُسْلُوبِ فَاقْتَدَى بِهِ، وَالْحَدِيثُ مُتَضَمِّنٌ لِلْأَمْرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ ابْدَءُوا بِالْبَسْمَلَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ) أَيْ لِذَاتِهِ وَلَا مَكْرُوهٍ أَيْ كَذَلِكَ وَلَا مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ أَيْ مُحَقَّرَاتِهَا فَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ كَالزِّنَا وَتُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ كَالنَّظَرِ لِلْفَرْجِ بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ كَأَكْلِ الْبَصَلِ وَلَا تُطْلَبُ عَلَى مُحَقَّرَاتِ الْأُمُورِ كَكَنْسِ زِبْلٍ صَوْنًا لِاسْمِهِ تَعَالَى عَنْ اقْتِرَانِهِ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْعِبَادِ شَيْخُنَا، وَكَذَا فِي الْبُجَيْرَمِيِّ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ أَكْلَ الْبَصَلِ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ فَتُكْرَهُ عَلَيْهِ وَمَثَّلَ لِلْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُشْمِسِ، وَزَادَ وَبِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لَا لِذَاتِهِ كَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَتُسَنُّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يَخْرُجَانِ) أَيْ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَوُوهُ) فِيهِ إضَافَةُ ذُو إلَى الْمُضْمَرِ، وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ عَلَى مَنْعِهَا عِبَارَةُ الْكَافِيَةِ وَذُو لَا يُضَافُ إلَى مُضْمَرٍ وَقَالَ شُرَّاحُهُ وَقَدْ أُضِيفَ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الشُّذُوذِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
إنَّمَا يَعْرِفُ ذَا الْفَضْلِ ذَوُوهُ
اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا ذِكْرٍ مَحْضٍ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُحَرَّمٍ سم أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ ذِكْرًا غَيْرَ مَحْضٍ كَالْقُرْآنِ فَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ الْمَحْضِ كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ شَيْخُنَا زَادَ الْبُجَيْرَمِيُّ فَإِنْ قُلْت وَمِنْ الْأُمُورِ ذِي الْبَالِ الْبَسْمَلَةُ فَتَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِ الْبَرَكَةِ فِيهَا إلَى سَبْقِ مِثْلِهَا، وَيَتَسَلْسَلُ قُلْت هِيَ مُحَصِّلَةٌ لِلْبَرَكَةِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ فِي الْحَدِيثِ اهـ.
عَبْدُ الْحَقِّ وَأَجَابَ الْمَدَابِغِيُّ بِتَقْيِيدِ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ أَمْرٌ ذُو بَالٍ فَتَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ مِثْلِهَا وَيَتَسَلْسَلُ اهـ.
(قَوْلُهُ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ بِالرَّفْعِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ رَفْعُ الْحَمْدِ وَتَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ وَكَوْنُ رِوَايَةِ الْبَسْمَلَةِ بِبَاءَيْنِ، وَأَنْ يُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَكَوْنُ الْبَاءِ صِلَةَ يَبْدَأُ فَإِنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِعَانَةِ فَلَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ، وَكَذَا إنْ جُعِلَتْ لِلْمُلَابَسَةِ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ إلَخْ) أَيْ كَابْتِدَائِهَا (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَمْدِ اللَّهِ) النُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهَا إفَادَةُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَفَادَتْ اشْتِرَاطَهُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَجْذَمُ إلَخْ) الْأَجْذَمُ الْمَقْطُوعُ إلَيْهِ أَوْ الذَّاهِبُ الْأَنَامِلِ قَامُوسٌ وَهَذَا التَّرْكِيبُ وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ وَوَجْهِ الشَّبَهِ وَالْأَصْلُ فَهُوَ كَالْأَجْذَمِ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ لَا مُطْلَقًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِكَوْنِ نَحْوِ قَدْ زَرَّ أَزْرَارَهُ عَلَى الْقَمَرِ اسْتِعَارَةً عَلَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَحْذُوفٌ أَيْ هُوَ نَاقِصٌ كَالْأَجْذَمِ فَحُذِفَ الْمُشَبَّهُ وَهُوَ النَّاقِصُ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَجْذَمِ النَّاقِصَ فَلَيْسَ هُنَا جَمْعٌ بَيْنَ طَرَفَيْ التَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَقَطْ ع ش.
(قَوْلُهُ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْدِ وَالتَّسْمِيَةِ فِي رِوَايَتَيْهِمَا مُجَرَّدُ الذِّكْرِ لَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا يَلْزَمْ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ بِالْآخَرِ، وَذَلِكَ إنْ أُرِيدَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِضَافِيِّ فَلَا تَعَارُضَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ) عُطِفَ عَلَى الْمُرَادِ (قَوْلُهُ بِفَرْضِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ إلَخْ) أَيْ مَعَ فَرْضِ وُجُودِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ الْبُجَيْرِمِيِّ (قَوْلُهُ رَوْنَقًا) أَيْ جِنْسًا (قَوْلُهُ وَطَلَاوَةٌ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا الِابْتِدَاءُ) أَيْ الْمُبْتَدَأُ بِهِ (قَوْلُهُ ثَنَّى بِمَا فِيهِ بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ) هِيَ أَنْ يُورِدَ مُصَنِّفٌ أَوْ شَاعِرٌ أَوْ خَطِيبٌ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ) تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِابْتِدَاءِ الْقُرْآنِ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَا ذِكْرٌ مَحْضٌ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ

الصفحة 14