كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

إشَارَةً إلَى أَنَّ تَيْسِيرَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي لَهُ هُوَ نِعْمَةٌ أَيُّ نِعْمَةٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَحْضِ بِرِّ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ لَهُ وَجُودِهِ عَلَيْهِ وَلُطْفِهِ بِهِ.
فَقَالَ (الْبَرِّ) أَيْ الْمُحْسِنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبِرِّ بِسَائِرِ مَوَادِّهِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْإِحْسَانِ كَبَرَّ فِي يَمِينِهِ أَيْ صَدَقَ لِأَنَّ الصِّدْقَ إحْسَانٌ فِي ذَاتِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْإِحْسَانُ لِلْغَيْرِ وَأَبَرَّ اللَّهُ حَجَّهُ أَيْ قَبِلَهُ لِأَنَّ الْقَبُولَ إحْسَانٌ وَزِيَادَةٌ، وَأَبَرَّ فُلَانٌ عَلَى أَصْحَابِهِ أَيْ عَلَاهُمْ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَنْشَأُ عَنْ الْإِحْسَانِ لَهُمْ فَتَفْسِيرُهُ بِاللَّطِيفِ أَوْ الْعَالِي فِي صِفَاتِهِ أَوْ خَالِقُ الْبِرِّ أَوْ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بَعْضُ مَاصَدَقَاتِ أَوْ غَايَاتِ ذَلِكَ الْبِرِّ (الْجَوَادِ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ كَثِيرِ الْجُودِ أَيْ الْعَطَاءِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْقِيفٌ أَيْ وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ صَحِيحٍ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَمِيلِ بَلْ صَوَّبَهُ خِلَافًا لِجَمْعٍ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ لَا الِاعْتِقَادِيَّاتُ مُصَرَّحٌ بِهِ لَا بِأَصْلِهِ الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ فَحَسْبُ أَيْ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُهُ لِمُقَابَلَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَحْوِ {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] .
وَقَوْلُ الْحَلِيمِيِّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَلْقَى بَذْرًا فِي أَرْضٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ الزَّارِعُ وَالْمُنْبِتُ وَالْمُبَلِّغُ إنَّمَا يَأْتِي فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا صَحَّ مَعْنَاهُ تَوْقِيفٌ فَإِنْ قُلْت الْجَمِيلُ ذُكِرَ لِلْمُقَابَلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلَ كَلَامِهِ عِبَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَالْمُرَادُ هُنَا حُصُولُ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ لِلْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ، وَأَمَّا بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ لِلْكِتَابِ فَفِي قَوْلِهِ الْآتِي الْمُوَفِّقِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الْكِتَابَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ قَالَ الْكُرْدِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بِمَا فِيهِ إلَخْ وَاقِعَةٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْبَرِّ إلَى قَوْلِهِ أَحْمَدُهُ إلَخْ فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ الْمُوَفِّقُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَخْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ثَنَّى بِمَعْنَى مُشِيرًا، وَلَيْسَ بَيَانًا لِلْمَقْصُودِ بِمَا فِيهِ الْبَرَاعَةُ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ ثَنَّى إلَخْ عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لَهُ مَثَلًا سم وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ ثَنَّى لَا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لَهُ لِئَلَّا تَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمَتْنِ (الْبَرِّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعْنًى (قَوْلُهُ أَيْ الْمُحْسِنِ) أَيْ بِكَثْرَةٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي شَرْحِ الَّذِي جَلَّتْ (قَوْلُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْبَرَّ بِمَعْنَى الْمُحْسِنِ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبِرِّ أَيْ اشْتِقَاقُ الْبَرِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ الْبِرِّ بِكَسْرِهَا بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ (قَوْلُهُ بِسَائِرِ مَوَادِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاشْتِقَاقِ وَالضَّمِيرُ لِلْبَرِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ مَوَادُّهُ الْبَاقِيَةُ يَعْنِي تَفَاسِيرَهَا (قَوْلُهُ تَرْجِعُ إلَى الْإِحْسَانِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا إلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَدْلُولُ لِجَوَازِ أَنَّهَا الْمَدْلُولُ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا بَلْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ سم وَقَدْ يَدَّعِي الِاقْتِضَاءَ بِوَسَطِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُلُوُّ عَلَى الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ فَتَفْسِيرُهُ) أَيْ الْبَرِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ خَالِقِ الْبِرِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي وَلِذَا حُكِيَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي هَذِهِ التَّفَاسِيرُ بِقِيلَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ) أَيْ بِالتَّفْسِيرِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَالِي فِي صِفَاتِهِ (قَوْلُهُ أَوْ غَايَاتِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَاصَدَقَاتِ (قَوْلُهُ ذَلِكَ الْبَرِّ) أَيْ الْمُحْسِنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّفْسِيرَ بِالْعَالِي فِي صِفَاتِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْمَلْزُومِ أَوْ السَّبَبِ، وَالتَّفْسِيرُ بِغَيْرِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْمَاصَدَقَ (قَوْلُهُ أَيْ كَثِيرُ الْجُودِ) تَقَدَّمَ عَنْ سم أَنَّ الْجَوَادَ مِمَّا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِالْمَادَّةِ لَا الْهَيْئَةِ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَطَاءِ) فَسَّرَهُ ع ش شَيْخُنَا بِالْإِعْطَاءِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى وَالْقَصْدُ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الْإِسْدَاءِ وَالْإِعْطَاءِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَثِيرُ الْبَذْلِ وَالْإِعْطَاءِ لَا يَنْقَطِعُ إعْطَاؤُهُ فِي وَقْتٍ وَيُعْطِي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى لَا يُعْطِي إلَّا كَثِيرَ الصَّادِقِ بِالْإِعْطَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ عَلَى أَنَّهُ فِي نُسَخٍ أَيْ لِلنِّهَايَةِ أَيْ الْإِعْطَاءِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْجُودِ بِأَنَّهُ إعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي كَمَا فَسَّرُوهُ بِهِ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْقِيفٌ) أَيْ لَمْ يَرِدْ إذْنُ الشَّارِعِ بِإِطْلَاقِ الْجَوَادِ عَلَيْهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ تَوْقِيفِيَّةٌ) أَيْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إذْنِ الشَّارِعِ بِإِطْلَاقِهَا (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ اسْمٍ أَوْ وَصْفٍ لَهُ تَعَالَى) وَمِثْلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَهُ بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ وَلَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ كَذَا نُقِلَ عَنْ سِيرَةِ الشَّامِيِّ وَمُرَادُهُ بِأَبِيهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ ع ش (قَوْلُهُ أَوْ خَبَرٍ صَحِيحٍ) أَيْ أَوْ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ ع ش وَرَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَمِيلِ) يَعْنِي صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ التَّوْقِيفَ فِي لَفْظِ الْجَمِيلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْغَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ أَيْ الَّذِي يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الِاخْتِرَاعَ وَالْإِطْلَاقَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمُفِيدُ لِلظَّنِّ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ مُصَرَّحٍ) نَعْتُ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٌ سم أَيْ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ (قَوْلُهُ لَا بِأَصْلِهِ) أَشَارَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ إلَى خِلَافِ فِي الِاكْتِفَاء بِالْأَصْلِ سم (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مُصَرَّحٍ بِهِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى إذْ مَعْنَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُصَرَّحًا بِهِ (قَوْلُهُ ذِكْرُهُ) أَيْ ذِكْرُ الِاسْمِ أَوْ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ نَحْوُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ إلَخْ) مِنْ أَمْثِلَةِ الذِّكْرِ لِلْمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَةِ الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَارَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْفِيقِيَّةٌ وَكَذَا صِفَاتُهُ فَلَا نُثْبَتُ لِلَّهِ اسْمًا وَلَا صِفَةً إلَّا إذَا وَرَدَ بِذَلِكَ تَوْقِيفٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى جَوَازِ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَّصِفًا بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يُوهِمْ نَقْصًا وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَتَوَقَّفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ فَجَوَّزَ إطْلَاقَ الصِّفَةِ وَهِيَ مَا دَلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَى مُحَرَّمٍ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ ثَنَّى عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ رُجُوعَهَا إلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا الْمَدْلُولُ لِجَوَازِ أَنَّهَا الْمَدْلُولُ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا بَلْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ بَعِيدٌ) فِيهِ بَحْثٌ أَشَرْنَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُصَرَّحٌ بِهِ) نَعْتُ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٌ (قَوْلُهُ لَا بِأَصْلِهِ)

الصفحة 15