كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

أَيْضًا إذْ لَفْظُ الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» فَجَعْلُ الْمُصَنِّفِ لَهُ مِنْ التَّوْقِيفِيِّ يُلْغِي اعْتِبَارَ قَيْدِ الْمُقَابَلَةِ.
قُلْت الْمُقَابَلَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ اسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ الْجَمَالُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى إبْدَاعِ الشَّيْءِ عَلَى آنَقْ وَجْهٍ وَأَحْسَنِهِ وَسَيَأْتِي فِي الرِّدَّةِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ فِيهِ مُرْسَلًا اُعْتُضِدَ بِمُسْنَدٍ بَلْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ «ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنَكَّرَ وَالْمُعَرَّفِ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُنَكَّرِ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي فِي اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَبِالْإِجْمَاعِ النُّطْقِيِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَلَقِّي ذَلِكَ الْمُرْسَلِ بِالْقَبُولِ وَلِإِشْعَارِ الْعَاطِفِ بِالتَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَتَهُ حُذِفَ هُنَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} [الجمعة: 1] {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} [التحريم: 5] {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112] الْآيَاتُ وَأُتِيَ بِهِ فِي نَحْوِ {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد: 3] {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 112]

(الَّذِي) لِكَثْرَةِ بِرِّهِ وَسَعَةِ جُودِهِ فَلِذَا أُخِّرَ عَنْ ذَيْنِك (جَلَّتْ) عَظُمَتْ وَلِاسْتِقْرَارِ هَذِهِ الصِّلَةِ فِي النُّفُوسِ وَإِذْعَانِهَا لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ وَمَنَعَ إطْلَاقَ الِاسْمِ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى نَفْسِ الذَّاتِ اهـ.
وَمَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَالزَّارِعِ وَالْمَاكِرِ (قَوْلُهُ فَجَعْلُ الْمُصَنِّفِ لَهُ) أَيْ لِلْجَمِيلِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ قَوْلُهُ يُلْغِي اعْتِبَارَ إلَخْ (قَوْلُهُ قَيْدِ الْمُقَابَلَةِ) أَيْ عَدَمًا (قَوْلُهُ قُلْت الْمُقَابَلَةُ إلَخْ) قَدْ يَمْنَعُ وُجُودَ الْمُقَابَلَةِ هُنَا وَيَدَّعِي أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِلْغَيْرِ سم (قَوْلُهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ اسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَيْثُ وَرَدَ إطْلَاقُ اسْمٍ عَلَيْهِ تَعَالَى وَلَمْ يَسْتَحِلْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَصَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ حِينَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَانَ مَعَهُ مَا يُقَابِلُهُ.
وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ مَعْنَاهُ عَلَيْهِ تُوقَفُ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ عَلَى مُسَوِّغٍ فَإِذَا اتَّفَقَ وُقُوعُ مَا يُقَابِلُهُ مَعَهُ كَانَ ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ عَلَى آنَقْ وَجْهٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا قَافٌ (قَوْلُهُ وَأَحْسَنِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَاعْتُرِضَ إلَخْ أَيْ لِلِاعْتِرَاضِ الْمَفْهُومِ مِنْهُ سم (قَوْلُهُ وَحَدِيثًا طَوِيلًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي حَدِيثًا مَرْفُوعًا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «إنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ» اهـ.
(قَوْلُهُ ذَلِكَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَاعِلُ قَوْلِهِ فِيهِ فَالْإِشَارَةُ إلَى لَفْظِ الْجَوَادِ وَقَوْلِهِ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ بَدَلٌ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ هُوَ الْفَاعِلُ وَلَفْظُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَبِالْإِجْمَاعِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمُسْنَدٍ (قَوْلُهُ الْمُسْتَلْزِمِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ سم أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِجْمَاعِ مُسْتَنَدٌ آخَرُ (قَوْلُهُ وَلِإِشْعَارِ الْعَاطِفِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي حُذِفَ مِنْهَا قَالَ سم وَيُوَجَّهُ تَرْكُ الْعَاطِفِ أَيْضًا بِأَنَّ فِي تَرْكِهِ يَكُونُ كُلُّ وَصْفٍ مَنْسُوبًا اسْتِقْلَالًا لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ بِالتَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ التَّغَايُرُ الْحَقِيقِيُّ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ سم وَقَدْ يُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَحُمِلَ التَّغَايُرُ عَلَى التَّنَافِي فِي التَّحَقُّقِ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَوُجُودُهُ فِي نَحْوِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ دُونَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَأَتَى بِهِ) أَيْ بِالْعَاطِفِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حُذِفَ يَعْنِي حُذِفَ فِي الْأَوْصَافِ الْمُتَّحِدَةِ فِي التَّحَقُّقِ فِي زَمَنٍ لِئَلَّا يُوهِمَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَأُتِيَ بِهِ فِي الْمُخْتَلِفَةِ فِيهِ لِئَلَّا يُوهِمَ الِاتِّحَادُ فِيهِ

(قَوْلُ الْمَتْنِ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ الَّذِي وَاقِعَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةُ عَنْهُ فَالتَّذْكِيرُ فِيهَا وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ صِلَتُهَا سَبَبِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَبَبِيَّةِ صِلَتِهَا وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ فِيهَا إلَى النِّعَمِ أَنَّ الْمَوْصُولَ وَاقِعٌ عَلَى النِّعَمِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ وُجُوبَ تَأْنِيثِ الْمَوْصُولِ هُنَا وَبَعْضُهُمْ جَوَازَهُ فَيُقَالُ الَّتِي جَلَّتْ نِعَمُهُ، وَذَلِكَ خَطَأٌ وَاضِحٌ سم (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ بِرِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ جَلَّتْ الْمُتَضَمِّنُ لِمَعْنَى امْتَنَعَتْ لِيَصِحَّ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِهِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِذَا أُخِّرَ عَنْ ذَيْنِك) أَيْ فَإِنَّهُ كَالنَّتِيجَةِ لَهُمَا سم أَيْ لِلْبَرِّ وَالْجَوَادِ (قَوْلُهُ وَلِاسْتِقْرَارِ هَذِهِ الصِّلَةِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ هَذَا التَّوْجِيهُ وَكَوْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَشَارَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ إلَى خِلَافٍ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْأَصْلِ (قَوْلُهُ قُلْت الْمُقَابَلَةُ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ وُجُودُ الْمُقَابَلَةِ وَيُدَّعَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَاعْتُرِضَ أَيْ لِلِاعْتِرَاضِ الْمَفْهُومِ مِنْ اُعْتُرِضَ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَلْزِمُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ وَلِإِشْعَارِ الْعَاطِفِ) بِوَجْهِ تَرْكِ الْعَاطِفِ أَيْضًا بِأَنَّ فِي تَرْكِهِ يَكُونُ كُلُّ وَصْفٍ مَنْسُوبًا اسْتِقْلَالًا لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِالتَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ التَّغَايُرُ الْحَقِيقِيُّ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فِي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ

(قَوْلُهُ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ الَّذِي وَاقِعَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةٌ عَنْهُ فَالتَّذْكِيرُ فِيهَا وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ صِلَتُهَا سَبَبِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَبَبِيَّةِ صِلَتِهَا وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ فِيهَا إلَى النِّعَمِ أَنَّ الْمَوْصُولَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى النِّعَمِ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ وُجُوبَ تَأْنِيثِ الْمَوْصُولِ هُنَا فَيُقَالُ الَّتِي جَلَّتْ نِعَمُهُ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ التَّأْنِيثَ وَذَلِكَ خَطَأٌ وَاضِحٌ وَلَا يُؤَيِّدُ مَا تَوَهَّمُوهُ جَاءَ رَجُلٌ قَائِمَةٌ أُمُّهُ لِأَنَّ هَذَا نَعْتٌ سَبَبِيٌّ نَظِيرُ الصِّلَةِ هُنَا بَلْ نَعْتِيَّتُهُ بِالتَّأْوِيلِ أَيْ قَائِمُ الْأُمِّ (قَوْلُهُ فَلِذَا أَخَّرَ عَنْ ذَيْنِك) أَيْ فَإِنَّهُ كَالنَّتِيجَةِ لَهُمَا (قَوْلُهُ وَلِاسْتِقْرَارٍ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ هَذَا التَّوْجِيهُ وَكَوْنُ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَعْدُولَ لَهُ

الصفحة 16