كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَمَعَ هَذَا التَّعْبِيرِ بِنِعْمَةٍ مُوَافَقَةٍ لِلَفْظِ الْآيَةِ أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ أَصْلَحَ فِي نُسْخَةٍ وَكُلُّ نِعْمَةٍ وَإِنْ سَلِمَ حَصْرُهَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا لَا مُتَعَلِّقَاتِهَا مَعَ دَوَامِهَا مَعَاشًا وَمَعَادًا وَهِيَ أَيْ حَقِيقَةُ كُلِّ مُلَائِمٍ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ، وَإِنَّمَا مَلَاذُّهُ اسْتِدْرَاجٌ فَإِنْ قُلْت هَذَا لَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ النِّعْمَةِ لُغَةً مِنْ أَنَّهَا مُطْلَقُ الْمُلَائِمِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي أَكْثَرِ النُّصُوصِ فَمَا حِكْمَتُهُ قُلْت شَأْنُ الْمُصْطَلَحَاتِ الْعُرْفِيَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِلْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَكَوْنُهَا أَخَصَّ مِنْهَا كَالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عُرْفًا وَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْعَبْدِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ وَفَائِدَتُهَا هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ نِعْمَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا بِالصُّورَةِ الَّتِي اكْتَفَى بِهَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ حَرَامًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ (عَنْ الْإِحْصَاءِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالْمَدِّ أَيْ الضَّبْطِ وَهُوَ الْحَصْرُ وَفُسِّرَ بِالْعَدِّ، وَهُوَ الْفِعْلُ فَهُوَ غَيْرُ الْعَدَدِ فِي (بِالْإِعْدَادِ) أَيْ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهَا لَا بِقَيْدِ الْقِلَّةِ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ أَيْ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُحْصَرَ أَوْ تُعَدَّ بِعَدَدٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَمَعْنَى {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلُ قَلِيلَ الْإِنْعَامَاتِ كَمَا يَشْمَلُ جَمِيعَهَا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعَ هَذَا) أَيْ التَّوْجِيهِ الدَّافِعِ لِلْإِيهَامِ بَلْ لِلْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ مُوَافَقَةً) مَفْعُولٌ لَهُ لِقَوْلِهِ أَوْلَى أَوْ حَالٌ مِنْ نِعْمَتِهِ وَقَوْلُهُ أَوْلَى خَبَرٌ لِتَعْبِيرٍ (قَوْلُهُ أَصْلَحَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ فَالْمُصْلِحُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ نِعْمَةٍ) مُبْتَدَأٌ سم أَيْ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ هُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ، كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ الْفَرْدَ لَا يَكُونُ إلَّا مَحْصُورًا فَكَيْفَ يُقَالُ كُلُّ فَرْدٍ مُمْتَنِعٌ عَنْ الْإِحْصَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ سُلِّمَ حَصْرُهَا) لَعَلَّ الْوَاوَ حَالِيَّةٌ لَا غَائِيَّةٌ (قَوْلُهُ هُوَ إلَخْ) أَيْ الْحَصْرُ (قَوْلُهُ مَعَ دَوَامِهَا) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ النِّعْمَةُ وَقَوْلُهُ أَيْ حَقِيقَةٌ أَيْ بِمَعْنَى الْأَثَرِ الْحَاصِلِ بِالْإِنْعَامِ ع ش (قَوْلُهُ كُلُّ مُلَائِمٍ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظَةِ كُلٍّ (قَوْلُهُ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ) فَهَذَا يُخْرِجُ الْحَرَامَ سم وَكَذَا يُخْرِجُ الْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ فَمَا حِكْمَتُهُ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِتُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ (قَوْلُهُ شَأْنُ الْمُصْطَلَحَاتِ) أَيْ الْغَالِبُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَكَوْنُهَا إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ مُخَالَفَتُهَا إلَخْ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَخَصُّ مِنْهَا) إنْ أَرَادَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ أَيْ فَمُسَلَّمٌ أَوْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَنَّ الزَّكَاةَ لُغَةً لِمَعَانٍ كَالنَّمَاءِ لَا تُصَدَّقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ أَيْ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ سم وَمَرَّ أَنَّ مَعْنَى الْغَلَبَةِ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهَا) أَيْ الْمُخَالَفَةِ وَرَجَّحَ الْكُرْدِيُّ التَّمْيِيزَ إلَى الْمُصْطَلَحَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ أَنَّهُ يَتَبَادَرُ أَنَّ نَحْوَ هَلَاكِ الْعَدُوِّ نِعْمَةٌ لَا رِزْقٌ وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَرَامًا أَيْ وَالْحَرَامُ لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ سم وَقَدْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ لَا رِزْقٌ وَلَوْ سَلَمَ فَيُحْمَلُ الْعُمُومُ عَلَى الْوَجْهِيِّ كَمَا تَرَجَّاهُ الْبَصْرِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَصْرُ) أَيْ الْإِحَاطَةُ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَ) أَيْ الْإِحْصَاءَ قَوْلُ الْمَتْنِ (بِالْأَعْدَادِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ عَدَدٍ مُغْنِي زَادَ النِّهَايَةُ وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ (قَوْلُهُ لَا بِقَيْدِ الْقِلَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ فَإِنْ قِيلَ الْأَعْدَادُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَالشَّيْءُ قَدْ لَا يَضْبِطُهُ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ وَيَضْبِطُهُ الْكَثِيرُ وَلِذَا قِيلَ لَوْ عَبَّرَ بِالتَّعْدَادِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ عَدَّ لَكَانَ أَوْلَى أُجِيبَ بِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ اهـ.
أَيْ: لِأَنَّ أَلْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ أَبْطَلَتْ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَصَيَّرَتْ أَفْرَادَهُ آحَادًا عَلَى الصَّحِيحِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ) أَيْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَإِلَّا فَالصِّيغَةُ مَعَ أَلْ لِلْكَثْرَةِ سم (قَوْلُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ أَيْ كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُكْمَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ وَلَمْ يَكُنْ قَرِينَةُ الْبَعْضِيَّةِ، وَكَانَ الْمَقَامُ خَطَابِيًّا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ عَبْدُ الْحَكِيمِ عَلَى الْمُطَوَّلِ (قَوْلُهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ) أَيْ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ اللَّامَ مَوْضُوعٌ لِلْجِنْسِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهْمٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ ع ش أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ مُفْرَدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا لِلِاسْتِغْرَاقِ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ فَإِفَادَتُهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ وَضْعِيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُحْصَرَ إلَخْ) وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ لَا تُحْصَى تَنْحَصِرُ فِي جِنْسَيْنِ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ مَوْهِبِيٌّ وَكَسْبِيٌّ وَالْمَوْهِبِيُّ قِسْمَانِ رُوحَانِيٌّ كَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَإِشْرَافِهِ بِالْعَقْلِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْقُوَى كَالْفِكْرِ وَالْفَهْمِ وَالنُّطْقِ وَجُسْمَانِيٌّ كَتَحْلِيقِ الْبَدَنِ وَالْقُوَى الْحَالَّةِ فِيهِ وَالْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لَهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَكَمَالِ الْأَعْضَاءِ، وَالْكَسْبِيُّ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ عَنْ الرَّذَائِلِ وَتَحْلِيَتُهَا بِالْأَخْلَاقِ وَالْمَلَكَاتِ الْفَاضِلَةِ وَتَزَيُّنُ الْبَدَنِ بِالْهَيْئَاتِ الْمَطْبُوعَةِ وَالْحُلِيِّ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَحُصُولُ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَالثَّانِي أَيْ الْأُخْرَوِيُّ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّا فَرَطَ مِنْهُ وَيَرْضَى عَنْهُ وَيُبَوِّئَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي شَرْحِ نِعَمِهِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمُتَنَاهِيَةٌ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مُتَنَاهٍ وَكُلُّ مُتَنَاهٍ مُحْصًى مَعْدُودٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ نِعْمَةٍ) مُبْتَدَأٌ (قَوْلُهُ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ) هَذَا يُخْرِجُ الْحَرَامَ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهَا أَخَصَّ) إنْ أَرَادَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَنَّ الزَّكَاةَ لُغَةً لَمَعَانٍ كَالنَّمَاءِ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ أَيْ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ.
(قَوْلُهُ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ أَنَّهُ يَتَبَادَرُ أَنَّ نَحْوَ هَلَاكِ الْعَدُوِّ نِعْمَةٌ لَا رِزْقٌ وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَرَامًا أَيْ وَالْحَرَامُ لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ (قَوْلُهُ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ) أَيْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَإِلَّا فَالصِّيغَةُ مَعَ أَلْ لِلْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ

الصفحة 18