كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (اسم الجزء: 1)

وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُحْصِي أَيْ الْعَالِمُ أَوْ الْقَوِيُّ أَوْ الْعَادُّ أَقْوَالٌ نَعَمْ فِي الْأَخِيرِ إيهَامُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عَدِّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (الْمَانِّ) مِنْ الْمِنَّةِ وَهِيَ النِّعْمَةُ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا ثَقِيلَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ يُوجِبُهَا فَنِعَمُهُ تَعَالَى مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ إذْ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ خِلَافًا لِزَعْمِ الْمُعْتَزِلَةِ وُجُوبَ الْأَصْلَحِ عَلَيْهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (بِاللُّطْفِ) وَهُوَ مَا يَقَعُ بِهِ صَلَاحُ الْعَبْدِ آخِرَهُ وَيُسَاوِيهِ التَّوْفِيقُ الَّذِي هُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ مَاصَدَقًا لَا مَفْهُومًا وَلِعِزَّتِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَرَّةً فِي هُودٍ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا إحْسَانًا وَتَوْفِيقًا يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوِفَاقِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخِلَافِ وَقَدْ يُطْلَقُ التَّوْفِيقُ عَلَى أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ اللُّطْفُ مَا يَحْمِلُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ إنْ حُمِلَ عَلَى فِعْلِ الْمَطْلُوبِ سُمِّيَ تَوْفِيقًا أَوْ تَرْكِ الْقَبِيحِ سُمِّيَ عِصْمَةً، وَصَرَّحَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي بَحْثِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لُطْفًا لَوْ فَعَلَهُ بِالْكُفَّارِ لَآمَنُوا اخْتِيَارًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ فِي فِعْلِهِ مُتَفَضِّلٌ وَفِي تَرْكِهِ عَادِلٌ (وَالْإِرْشَادِ) أَيْ الدَّلَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ أَوْ الْإِيصَالِ إلَيْهَا (الْهَادِي) أَيْ الدَّالِّ أَوْ الْمُوَصِّلِ (إلَى سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الرَّشَادِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدَدِ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَلِمَ عَدَدَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُتَنَاهِيَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّيْءِ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودَاتُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ وَحِينَئِذٍ فَلْيُنْظَرْ مَا مَوْقِعُ كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ دَفْعَ اعْتِرَاضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ إلَخْ بِأَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ عَدَدَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْهَا النِّعَمُ كَانَ اللَّائِقُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ وَأَحْصَى إلَخْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْجُودَاتِ وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنِّعَمِ أَعَمُّ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرَهُ فَلَا يَتَّجِهُ مِنْهُ الدَّفْعُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم بِحَذْفِ وَأَشَارَ الْكُرْدِيُّ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضِ سم بِمَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَمَعْنَى أَحْصَى إلَخْ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُعَدَّ بِدَلِيلِ تِلْكَ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا تُعَدُّ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَادَ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ الْأَشْيَاءِ النِّعَمُ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَاءِ فِيهَا الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ الْعَدُّ اهـ.
وَلَكَ أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْعَدُّ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْمَتْنِ عَدُّ الْخَلْقِ كَمَا مَرَّ عَنْ ع ش (قَوْلُهُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى إلَخْ) تَقْوِيَةً لِهَذَا الْمَعْنَى كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَقْوَالٌ) أَيْ هَذِهِ التَّفَاسِيرُ الثَّلَاثَةُ أَقْوَالٌ لِكُلٍّ مِنْهَا قَائِلٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْأَخِيرِ إيهَامٌ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْإِيهَامِ بَصَرِيٌّ وَالْإِيهَامُ ظَاهِرٌ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ ثَقِيلَةً كَانَتْ أَوْ لَا (قَوْلُهُ مُبْتَدَأَةً إلَخْ) حَالٌ مِنْ النِّعْمَةِ بِقِسْمَيْهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ النِّعْمَةِ الثَّقِيلَةِ وَغَيْرِهَا مُبْتَدَأَةً إلَخْ فَيَصِحُّ التَّفْرِيعُ الْآتِي كُرْدِيٌّ أَيْ فَيَسْقُطُ مَا لسم هُنَا مِنْ اسْتِشْكَالِهِ (قَوْلُهُ أَخَرَةٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَالرَّاءِ فِي شَرْحِ اللُّبِّ أَيْ آخِرَ عُمْرِهِ الْبَصْرِيُّ عِبَارَةُ ع ش أَيْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَهُوَ بِوَزْنِ دَرَجَةٍ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِصَلَاحٍ إلَخْ، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ لِيَقَعَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُسَاوِيهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي عَقِبَ الْمَتْنِ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ الرَّأْفَةُ وَالرِّفْقُ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ بِأَنْ يَخْلُقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفَتْحُهُمَا لُغَةٌ فِيهِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ لَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ إلَى يَعْقُوبَ أَعْطَاهُ فِي الْبِشَارَةِ كَلِمَاتٍ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ يَا لَطِيفًا فَوْقَ كُلِّ لَطِيفٍ اُلْطُفْ بِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا كَمَا أُحِبُّ وَرَضِّنِي فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي اهـ.
(قَوْلُهُ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلَ مَطْلُوبٍ أَوْ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ ع ش (قَوْلُهُ وَلِعِزَّتِهِ) أَيْ نُدْرَةِ التَّوْفِيقِ فِي الْإِنْسَانِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا مَرَّةً فِي هُودٍ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ} [هود: 88] فِي الْحَدِيثِ «لَا يَتَوَفَّقُ عَبْدٌ حَتَّى يُوَفِّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَفِي أَوَائِلِ الْإِحْيَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ «قَلِيلٌ مِنْ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ» نِهَايَةٌ أَيْ الْخَالِي عَنْ التَّوْفِيقِ ع ش (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ اللُّطْفِ أَوْ مِنْ مَعْنَى التَّوْفِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى الطَّاعَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلَ مَطْلُوبٍ أَوْ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ (قَوْله وَصَرَّحَ أَهْلُ السُّنَّةِ) أَيْ أَئِمَّتُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ (قَوْلُهُ لُطْفًا) أَيْ نَوْعًا مِنْ اللُّطْفِ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِيصَالِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ وَاسْتَحْسَنَ الرَّشِيدِيُّ حَمْلَ الْإِرْشَادِ عَلَى مَعْنَى الْإِيصَالِ وَالْهَادِي عَلَى مَعْنَى الدَّالِّ فِرَارًا عَنْ التَّكْرَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSعُلِمَ عَدَدُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُتَنَاهِيَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّيْءِ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودُ.
قَالَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] فَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ فَإِنْ قِيلَ إحْصَاءُ الْعَدَدِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَنَاهِي، وَأَمَّا لَفْظَةُ كُلَّ شَيْءٍ فَتَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ التَّنَاقُضِ فِي الْآيَةِ قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّ إحْصَاءَ الْعَدَدِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَنَاهِي، وَأَمَّا لَفْظَةُ كُلَّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودَاتُ وَالْمَوْجُودَاتُ مُتَنَاهِيَةٌ فِي الْعَدَدِ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَحَدُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَوْ كَانَ شَيْئًا لَكَانَتْ الْأَشْيَاءُ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَقَوْلُهُ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] يَقْتَضِي كَوْنَ تِلْكَ الْمَحْصِيَّاتِ مُتَنَاهِيَةً فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهَا مُتَنَاهِيَةً وَغَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَذَلِكَ مُحَالٌ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَنْدَفِعَ التَّنَاقُضُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَحِينَئِذٍ فَلْيُنْظَرْ مَا مَوْقِعُ كَلَامِ الشَّيْخِ الشَّارِحِ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَمَعْنَى إلَخْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ دَفْعَ اعْتِرَاضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ بِأَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ عَدَدَ الْأَشْيَاءِ وَمِنْهَا النِّعَمُ فَكَانَ اللَّائِقُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ وَأَحْصَى إلَخْ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْجُودَاتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنِّعَمِ أَعَمُّ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرَهُ فَلَا يَتَّجِهُ مِنْهُ الدَّفْعُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَنِعَمُهُ تَعَالَى

الصفحة 19